(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : الشِّعْرُ كَلَامٌ حَسَنُهُ كَحَسَنِ الْكَلَامِ وَقَبِيحُهُ كَقَبِيحِ الْكَلَامِ غَيْرَ أَنَّهُ كَلَامٌ بَاقٍ سَائِرٌ فَذَلِكَ فَضْلُهُ عَلَى الْكَلَامِ فَمَنْ كَانَ مِنْ الشُّعَرَاءِ لَا يُعْرَفُ بِنَقْصِ الْمُسْلِمِينَ وَأَذَاهُمْ وَالْإِكْثَارِ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا بِأَنْ يَمْدَحَ فَيُكْثِرَ الْكَذِبَ لَمْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ. وَمَنْ أَكْثَرَ الْوَقِيعَةَ فِي النَّاسِ عَلَى الْغَضَبِ أَوْ الْحِرْمَانِ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ ظَاهِرًا كَثِيرًا مُسْتَعْلِنًا، وَإِذَا رَضِيَ مَدَحَ النَّاسَ بِمَا لَيْسَ فِيهِمْ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ كَثِيرًا ظَاهِرًا مُسْتَعْلِنًا كَذِبًا مَحْضًا رُدَّتْ شَهَادَتُهُ بِالْوَجْهَيْنِ، وَبِأَحَدِهِمَا لَوْ انْفَرَدَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا يَمْدَحُ فَيُصَدَّقُ، وَيُحْسِنُ الصِّدْقَ أَوْ يُفَرِّطُ فِيهِ بِالْأَمْرِ الَّذِي لَا يُمْحَضُ أَنْ يَكُونَ كَذِبًا لَمْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ، وَمَنْ شَبَّبَ بِامْرَأَةٍ بِعَيْنِهَا لَيْسَتْ مِمَّنْ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا حِينَ شَبَّبَ فَأَكْثَرَ فِيهَا وَشَهَرَهَا وَشَهَرَ مِثْلَهَا بِمَا يُشَبِّبُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ زَنَى رُدَّتْ شَهَادَتُهُ، وَمِنْ شَبَّبَ فَلَمْ يُسَمِّ أَحَدًا لَمْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُشَبِّبَ بِامْرَأَتِهِ، وَجَارِيَتِهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْأَلُ بِالشِّعْرِ أَوْ لَا يَسْأَلُ بِهِ فَسَوَاءٌ. وَفِي مِثْلِ مَعْنَى الشِّعْرِ فِي رَدِّ الشَّهَادَةِ مَنْ مَزَّقَ أَعْرَاضَ النَّاسِ، وَسَأَلَهُمْ أَمْوَالَهُمْ فَإِذَا لَمْ يُعْطُوهُ إيَّاهَا شَتَمَهُمْ.
فَأَمَّا أَهْلُ الرِّوَايَةِ لِلْأَحَادِيثِ الَّتِي فِيهَا مَكْرُوهٌ عَلَى النَّاسِ فَيُكْرَهُ ذَلِكَ لَهُمْ، وَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُمْ لِأَنَّ أَحَدًا قَلَّمَا يَسْلَمُ مِنْ هَذَا إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الرِّوَايَةِ فَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْأَحَادِيثُ عَضَّةَ بَحْرٍ أَوْ نَفْيَ نَسَبٍ رُدَّتْ بِذَلِكَ شَهَادَتُهُمْ إذَا أَكْثَرُوا رِوَايَتَهَا أَوْ عَمَدُوا أَنْ يَرْوُوهَا فَيُحَدِّثُوا بِهَا، وَإِنْ لَمْ يُكْثِرُوا.
وَأَمَّا مَنْ رَوَى الْأَحَادِيثَ الَّتِي لَيْسَتْ بِمَحْضِ الصِّدْقِ وَلَا بَيَانِ الْكَذِبِ، وَإِنْ كَانَ الْأَغْلَبُ مِنْهَا أَنَّهَا كَذِبٌ فَلَا تُرَدُّ الشَّهَادَةُ بِهَا، وَكَذَلِكَ رِوَايَةُ أَهْلِ زَمَانِك مِنْ الْإِرْجَافِ، وَمَا أَشْبَهَهُ
وَكَذَلِكَ الْمِزَاحُ لَا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ مَا لَمْ يَخْرُجْ فِي الْمِزَاحِ إلَى عَضَّةِ النَّسَبِ أَوْ عَضَّةِ بَحْرٍ أَوْ فَاحِشَةٍ فَإِذَا خَرَجَ إلَى هَذَا، وَأَظْهَرَهُ كَانَ مَرْدُودَ الشَّهَادَةِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : يُكْرَهُ مِنْ، وَجْهِ الْخَيْرِ اللَّعِبُ بِالنَّرْدِ أَكْثَرَ مِمَّا يُكْرَهُ اللَّعِبُ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَلَاهِي، وَلَا نُحِبُّ اللَّعِبَ بِالشِّطْرَنْجِ، وَهُوَ أَخَفُّ مِنْ النَّرْدِ، وَيُكْرَهُ اللَّعِبُ بِالْحُزَّةِ، وَالْقَرْقِ، وَكُلُّ مَا لَعِبَ النَّاسُ بِهِ لِأَنَّ اللَّعِبَ لَيْسَ مِنْ صَنْعَةِ أَهْلِ الدِّينِ وَلَا الْمُرُوءَةِ. وَمَنْ لَعِبَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا عَلَى الِاسْتِحْلَالِ لَهُ لَمْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ وَالْحُزَّة تَكُونُ قِطْعَةَ خَشَبٍ فِيهَا حُفَرٌ يَلْعَبُونَ بِهَا إنْ غَفَلَ بِهِ عَنْ الصَّلَوَاتِ فَأَكْثَرَ حَتَّى تَفُوتَهُ ثُمَّ يَعُودَ لَهُ حَتَّى تَفُوتَهُ رَدَدْنَا شَهَادَتَهُ عَلَى الِاسْتِخْفَافِ بِمَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ كَمَا نَرُدُّهَا لَوْ كَانَ جَالِسًا فَلَمْ يُوَاظِبْ عَلَى الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ وَلَا غَلَبَةٍ عَلَى عَقْلٍ. فَإِنْ قِيلَ فَهُوَ لَا يَتْرُكُ الصَّلَاةَ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا لِلَّعِبِ إلَّا وَهُوَ نَاسٍ؟ قِيلَ فَلَا يَعُودُ لِلَّعِبِ الَّذِي يُورِثُ النِّسْيَانَ، وَإِنْ عَادَ لَهُ، وَقَدْ جَرَّبَهُ يُورِثُهُ ذَلِكَ فَذَلِكَ اسْتِخْفَافٌ. فَأَمَّا الْجُلُوسُ وَالنِّسْيَانُ فَمِمَّا لَمْ يَجْلِبْ عَلَى نَفْسِهِ فِيهِ شَيْئًا إلَّا حَدِيثَ النَّفْسِ الَّذِي لَا يَمْتَنِعُ مِنْهُ أَحَدٌ، وَلَا يَأْثَمُ بِهِ، وَإِنْ قَبَّحَ مَا يُحَدِّثُ بِهِ نَفْسَهُ، وَالنَّاسُ يَمْتَنِعُونَ مِنْ اللَّعِبِ. فَأَمَّا مُلَاعَبَةُ الرَّجُلِ أَهْلَهُ وَإِجْرَاؤُهُ الْخَيْلَ، وَتَأْدِيبُهُ فَرَسَهُ، وَتَعَلُّمُهُ الرَّمْيَ، وَرَمْيُهُ فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ اللَّعِبِ، وَلَا يُنْهَى عَنْهُ. وَيَنْبَغِي لِلْمَرْءِ أَنْ لَا يَبْلُغَ مِنْهُ، وَلَا مِنْ غَيْرِهِ مِنْ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، وَلَا نَظَرَ فِي عِلْمِ مَا يَشْغَلُهُ عَنْ الصَّلَاةِ حَتَّى يَخْرُجَ