ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا عَتَقَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ سَائِبَةً فَهُوَ حُرٌّ وَلَهُ وَلَاؤُهُ وَإِذَا أَعْتَقَ الْكَافِرُ عَبْدًا لَهُ مُؤْمِنًا فَهُوَ حُرٌّ وَلَهُ وَلَاؤُهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَعْتَقَ مُؤْمِنٌ كَافِرًا وَلَا عُذْرَ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمُ فِي الشَّكِّ فِي هَذَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. لِأَنَّ الَّذِي أَعْتَقَ عَبْدَهُ سَائِبَةً وَالْكَافِرُ يُسْلِمُ عَبْدُهُ فَيُعْتِقُهُ وَالْمُؤْمِنُ يُعْتِقُ عَبْدَهُ الْكَافِرَ لَا يَعْدُونَ أَبَدًا أَنْ يَكُونُوا مَالِكِينَ يَجُوزُ عِتْقُهُمْ فَفِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ دَلَالَةٌ فِي إبْطَالِ التَّسْيِيبِ أَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ وَفِي قَوْلِهِ {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب: 5] فَنَسَبَهُمْ لِشَيْئَيْنِ إلَى الْآبَاءِ وَإِلَى الْوَلَاءِ كَمَا نَسَبَهُمْ إلَى الْآبَاءِ نَسَبَهُمْ إلَى الْوَلَاءِ. وَفِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 37] وَلَوْ غَرَبَ عَلَى أَحَدٍ عِلْمُ هَذَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَانَ فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُسَيِّبَ وَالْمُؤْمِنَ يُعْتِقُ الْكَافِرَ وَالْكَافِرَ يُعْتِقُ الْمُؤْمِنَ لَا يَعْدُونَ أَنْ يَكُونُوا مُعْتِقِينَ فَيَكُونُ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ» أَوْ يَكُونُوا غَيْرَ مَالِكِينَ فَلَا يَخْتَلِفُ الْمُسْلِمُونَ فِي أَنَّ مَنْ أَعْتَقَ مَا لَا يَمْلِكُ لَمْ يَكُنْ حُرًّا وَلَا يَكُونُ هَؤُلَاءِ مُعْتِقِينَ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَا أَحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ لَقِيته مِنْ فُقَهَاءِ الْمَكِّيِّينَ وَالْمَشْرِقِيِّينَ خِلَافًا فِيمَا قُلْت مِنْ أَنَّ وَلَاءَ السَّائِبَةِ وَالْمُؤْمِنِ يُعْتِقُهُ الْكَافِرُ لِمَنْ أَعْتَقَهُمَا. وَقَدْ حَفِظْت عَنْ بَعْضِ الْمَدَنِيِّينَ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ هَذَا وَخَالَفَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي مِيرَاثِ السَّائِبَةِ: فَقَالَ أَحَدُهُمْ: يُوَالِي مَنْ شَاءَ. وَقَالَ آخَرُ: لَا يُوَالِي مَنْ شَاءَ وَوَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَقَالَ قَائِلٌ: هَذَا وَإِذَا أَعْتَقَ الْكَافِرُ عَبْدَهُ وَالْعَبْدُ مُسْلِمٌ فَوَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَإِذَا أَسْلَمَ سَيِّدُهُ الَّذِي أَعْتَقَهُ لَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِ وَلَاؤُهُ وَلَوْ أَعْتَقَ رَجُلٌ كَافِرٌ عَبْدًا كَافِرًا ثُمَّ أَسْلَمَ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ قَبْلَ الْمَوْلَى الْمُعْتِقِ كَانَ وَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ إذَا مَاتَ وَرِثُوهُ فَإِنْ أَسْلَمَ السَّيِّدُ الْمُعْتِقُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ رَجَعَ إلَيْهِ وَلَاؤُهُ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ ثَبَتَ لَهُ الْوَلَاءُ وَلَوْ أَسْلَمَ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ قَبْلَ الْمَوْلَى الْمُعْتِقِ وَلِلْمَوْلَى الْمُعْتِقِ بَنُونَ مُسْلِمُونَ كَانَ وَلَاؤُهُ لِبَنِيهِ الْمُسْلِمِينَ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَقَدْ وَصَفْت مَوْضِعَ الْحُجَّةِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَوَصَفْت بَعْدَ هَذَا الْحُجَّةَ عَلَيْهِ وَهَذَا قَوْلٌ يَنْقُضُ بَعْضُهُ بَعْضًا. أَرَأَيْت إنْ زَعَمَ أَنَّ الْكَافِرَ يَعْتِقُ الْكَافِرَ فَيَكُونُ الْوَلَاءُ ثَابِتًا لِلْكَافِرِ عَلَى الْكَافِرِ ثُمَّ أَسْلَمَ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ وَالْمَوْلَى كَافِرٌ يَخْرُجُ الْوَلَاءُ زَعَمَ مِنْ يَدَيْهِ بِإِسْلَامِهِ أَرَأَيْت إذَا زَعَمَ أَيْضًا أَنَّ الْكَافِرَ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا مُسْلِمًا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَاؤُهُ وَإِنْ أَسْلَمَ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِ وَلَدٌ مُسْلِمُونَ كَانَ لَهُمْ وَلَاؤُهُ فَكَيْفَ يَرِثُهُ وَلَدُ الْمَوْلَى الْمُعْتِقُ بِأَنْ كَانَ وَلَدُ الْمَوْلَى الْمُعْتِقِ مُسْلِمِينَ إذَا لَمْ يَكُنْ الْوَلَاءُ لِأَبِيهِمْ فَكَيْفَ يَرِثُونَهُ بِوَلَاءِ أَبِيهِمْ إنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونُوا فِي قَوْلِهِ كَأُسْوَةِ الْمُسْلِمِينَ فِي وَلَائِهِ.
وَكَيْفَ إذَا وَرِثُوهُ بِالْوَلَاءِ ثُمَّ أَسْلَمَ الْمَوْلَى الْمُعْتِقُ إذَا كَانَ كَافِرًا وَاَلَّذِي أَعْتَقَ كَافِرًا رَجَعَ إلَيْهِ الْوَلَاءُ وَقَدْ أَحْرَزَهُ بَنُوهُ دُونَهُ فَإِنْ كَانُوا أَحْرَزُوهُ دُونَهُ لَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِ. وَإِنْ كَانُوا أَحْرَزُوهُ بِسَبَبِهِ فَالْوَلَاءُ لَهُ وَلَكِنَّهُ لَا يَرِثُ لِاخْتِلَافِ الْمِلَّتَيْنِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَمَا وَصَفْت يَدْخُلُ عَلَى مَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ نَاحِيَتِنَا مَا حَكَيْت وَأَكْثَرَ مِنْهُ. وَمِنْ مُخْتَصَرِ مَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ} [المائدة: 103] أَنَّهُ لَا بُدَّ بِحُكْمِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يَبْطُلَ أَمْرُ السَّائِبَةِ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُ أَمْرِهِ دُونَ بَعْضٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى