الام للشافعي (صفحة 1053)

جماع نقض العهد بلا خيانة

نقض العهد

[جِمَاعُ نَقْضِ الْعَهْدِ بِلَا خِيَانَةٍ]

ٍ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} [الأنفال: 58] .

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : نَزَلَتْ فِي أَهْلِ هُدْنَةٍ بَلَغَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُمْ شَيْءٌ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى خِيَانَتِهِمْ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَإِذَا جَاءَتْ دَلَالَةٌ عَلَى أَنْ لَمْ يُوَفِّ أَهْلَ هُدْنَةٍ بِجَمِيعِ مَا هَادَنَهُمْ عَلَيْهِ فَلَهُ أَنْ يَنْبِذَ إلَيْهِمْ، وَمَنْ قُلْت لَهُ أَنْ يَنْبِذَ إلَيْهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُلْحِقَهُ بِمَأْمَنِهِ ثُمَّ لَهُ أَنْ يُحَارِبَهُ كَمَا يُحَارِبُ مَنْ لَا هُدْنَةَ لَهُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فَإِنْ قَالَ الْإِمَامُ: أَخَافُ خِيَانَةَ قَوْمٍ، وَلَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى خِيَانَتِهِمْ مِنْ خَبَرٍ، وَلَا عِيَانٍ فَلَيْسَ لَهُ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - نَقْضُ مُدَّتِهِمْ إذَا كَانَتْ صَحِيحَةً؛ لِأَنَّ مَعْقُولًا أَنَّ الْخَوْفَ مِنْ خِيَانَتِهِمْ الَّذِي يَجُوزُ بِهِ النَّبْذُ إلَيْهِمْ لَا يَكُونُ إلَّا بِدَلَالَةٍ عَلَى الْخَوْفِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ بِمَا يَخْطُرُ عَلَى الْقُلُوبِ قَبْلَ الْعَقْدِ لَهُمْ وَمَعَهُ وَبَعْدَهُ مِنْ أَنْ يَخْطُرَ عَلَيْهَا أَنْ يَخُونُوا، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَمَا يُشْبِهُهُ؟ قِيلَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} [النساء: 34] فَكَانَ مَعْلُومًا أَنَّ الرَّجُلَ إذَا عَقَدَ عَلَى الْمَرْأَةِ النِّكَاحَ، وَلَمْ يَرَهَا، فَقَدْ يَخْطُرُ عَلَى بَالِهِ أَنْ تَنْشُزَ مِنْهُ بِدَلَالَةٍ وَمَعْقُولًا عِنْدَهُ أَنَّهُ إذَا أَمَرَهُ بِالْعِظَةِ وَالْهَجْرِ وَالضَّرْبِ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ إلَّا عِنْدَ دَلَالَةِ النُّشُوزِ وَمَا يَجُوزُ بِهِ مِنْ بَعْلِهَا مَا أُتِيحَ لَهُ فِيهَا.

[نَقْضُ الْعَهْدِ]

ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا وَادَعَ الْإِمَامُ قَوْمًا مُدَّةً، أَوْ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ قَوْمٍ فَكَانَ الَّذِي عَقَدَ الْمُوَادَعَةَ وَالْجِزْيَةَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا، أَوْ رِجَالًا مِنْهُمْ لَمْ تَلْزَمْهُمْ حَتَّى نَعْلَمَ أَنَّ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ قَدْ أَقَرَّ بِذَلِكَ وَرَضِيَهُ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَتَنَاوَلَ لَهُمْ مَالًا وَدَمًا، فَإِنْ فَعَلَ حَكَمَ عَلَيْهِ بِمَا اسْتَهْلَكَ مَا كَانُوا مُسْتَقِيمِينَ، وَإِذَا نَقَضَ الَّذِينَ عَقَدُوا الصُّلْحَ عَلَيْهِمْ، أَوْ نَقَضَتْ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ فَلَمْ يُخَالِفُوا النَّاقِضَ بِقَوْلٍ، أَوْ فِعْلٍ ظَاهِرٍ قَبْلَ أَنْ يَأْتُوا الْإِمَامَ، أَوْ يَعْتَزِلُوا بِلَادَهُمْ وَيُرْسِلُوا إلَى الْإِمَامِ إنَّا عَلَى صُلْحِنَا، أَوْ يَكُونَ الَّذِينَ نَقَضُوا خَرَجُوا إلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ أَهْلِ ذِمَّةٍ لِلْمُسْلِمِينَ فَيُعِينُونَ الْمُقَاتِلِينَ، أَوْ يُعِينُونَ عَلَى مَنْ قَاتَلَهُمْ مِنْهُمْ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَغْزُوَهُمْ، فَإِذَا فَعَلَ فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُمْ إلَى الْإِمَامِ خَارِجٌ مِمَّا فَعَلَهُ جَمَاعَتُهُمْ فَلِلْإِمَامِ قَتْلُ مُقَاتِلَتِهِمْ وَسَبْيُ ذَرَارِيِّهِمْ وَغَنِيمَةُ أَمْوَالِهِمْ كَانُوا فِي وَسَطِ دَارِ الْإِسْلَامِ، أَوْ فِي بِلَادِ الْعَدُوِّ.

وَهَكَذَا «فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِبَنِي قُرَيْظَةَ عَقَدَ عَلَيْهِمْ صَاحِبُهُمْ الصُّلْحَ بِالْمُهَادَنَةِ فَنَقَضَ، وَلَمْ يُفَارِقُوهُ فَسَارَ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عُقْرِ دَارِهِمْ وَهِيَ مَعَهُ بِطَرَفِ الْمَدِينَةِ فَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ وَسَبَى ذَرَارِيِّهِمْ وَغَنِمَ أَمْوَالَهُمْ» وَلَيْسَ كُلُّهُمْ اشْتَرَكَ فِي الْمَعُونَةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ وَلَكِنْ كُلُّهُمْ لَزِمَ حِصْنَهُ فَلَمْ يُفَارِقْ الْغَادِرِينَ مِنْهُمْ إلَّا نَفَرٌ فَحَقَنَ ذَلِكَ دِمَاءَهُمْ وَأَحْرَزَ عَلَيْهِمْ، وَكَذَلِكَ إنْ نَقَضَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَاتَلَ لِلْإِمَامِ قِتَالُ جَمَاعَتِهِمْ كَمَا كَانَ يُقَاتِلُهُمْ قَبْلَ الْهُدْنَةِ رُوِيَ أَنَّهُ قَدْ «أَعَانَ عَلَى خُزَاعَةَ وَهُمْ فِي عَقْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثَةَ نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَشَهِدُوا قِتَالَهُمْ فَغَزَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

طور بواسطة نورين ميديا © 2015