الام للشافعي (صفحة 1046)

[كَمْ الْجِزْيَةُ]

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : قَالَ: اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ} [التوبة: 29] وَكَانَ مَعْقُولًا أَنَّ الْجِزْيَةَ شَيْءٌ يُؤْخَذُ فِي أَوْقَاتٍ وَكَانَتْ الْجِزْيَةُ مُحْتَمِلَةً لِلْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُبَيِّنُ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَعْنَى مَا أَرَادَ «فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جِزْيَةَ أَهْلِ الْيَمَنِ دِينَارًا فِي كُلِّ سَنَةٍ، أَوْ قِيمَتَهُ مِنْ الْمَعَافِرِيِّ» وَهِيَ الثِّيَابُ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ أَهْلِ أَيْلَةَ وَمِنْ نَصَارَى مَكَّةَ دِينَارًا عَنْ كُلِّ إنْسَانٍ، قَالَ: وَأَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ فِيهَا كِسْوَةٌ، وَلَا أَدْرِي مَا غَايَةُ مَا أَخَذَ مِنْهُمْ، وَقَدْ سَمِعْت بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَمِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ يَذْكُرُ أَنَّ قِيمَةَ مَا أَخَذَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ أَكْثَرُ مِنْ دِينَارٍ وَأَخَذَهَا مِنْ أُكَيْدِرَ، وَمِنْ مَجُوسِ الْبَحْرَيْنِ لَا أَدْرِي كَمْ غَايَةُ مَا أُخِذَ مِنْهُمْ، وَلَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا قَطُّ حَكَى عَنْهُ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ أَحَدٍ أَقَلَّ مِنْ دِينَارٍ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ إنَّ عَلَى كُلِّ إنْسَانٍ مِنْكُمْ دِينَارًا، أَوْ قِيمَتَهُ مِنْ الْمَعَافِرِيِّ» يَعْنِي أَهْلَ الذِّمَّةِ مِنْهُمْ أَخْبَرَنِي مُطَرِّفُ بْنُ مَازِنٍ وَهِشَامُ بْنُ يُوسُفَ بِإِسْنَادٍ لَا أَحْفَظُهُ غَيْرَ أَنَّهُ حَسَنٌ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَضَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ دِينَارًا كُلَّ سَنَةٍ» قُلْت لِمُطَرِّفِ بْنِ مَازِنٍ فَإِنَّهُ يُقَالُ وَعَلَى النِّسَاءِ أَيْضًا فَقَالَ: لَيْسَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ مِنْ النِّسَاءِ ثَابِتًا عِنْدَنَا.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَسَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ خَالِدٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ وَعِدَّةً مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْيَمَنِ فَكُلٌّ حَكَى عَنْ عَدَدٍ مَضَوْا قَبْلَهُمْ كُلُّهُمْ ثِقَةٌ أَنَّ صُلْحَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُمْ كَانَ لِأَهْلِ ذِمَّةِ الْيَمَنِ عَلَى دِينَارٍ كُلِّ سَنَةٍ، وَلَا يُثْبِتُونَ أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ فِيمَنْ تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ وَقَالَ: عَامَّتُهُمْ، وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْ زُرُوعِهِمْ، وَقَدْ كَانَتْ لَهُمْ الزُّرُوعُ، وَلَا مِنْ مَوَاشِيهِمْ شَيْئًا عَلِمْنَاهُ وَقَالَ لِي: قَدْ جَاءَنَا بَعْضُ الْوُلَاةِ فَخَمَّسَ زُرُوعَهُمْ، أَوْ أَرَادُوهَا فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَكُلُّ مَنْ وَصَفْت أَخْبَرَنِي أَنَّ عَامَّةَ ذِمَّةِ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ حِمْيَرَ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : سَأَلْت عَدَدًا كَثِيرًا مِنْ ذِمَّةِ أَهْلِ الْيَمَنِ مُفْتَرِقِينَ فِي بُلْدَانِ الْيَمَنِ فَكُلُّهُمْ أَثْبَتَ لِي - لَا يَخْتَلِفُ قَوْلُهُمْ - أَنَّ مُعَاذًا أَخَذَ مِنْهُمْ دِينَارًا عَلَى كُلِّ بَالِغٍ وَسَمَّوْا الْبَالِغَ الْحَالِمَ قَالُوا كَانَ فِي كِتَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ مُعَاذٍ «إنَّ عَلَى كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا» أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَرَبَ عَلَى نَصْرَانِيٍّ بِمَكَّةَ يُقَالُ لَهُ مَوْهَبٌ دِينَارًا كُلَّ سَنَةٍ وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَرَبَ عَلَى نَصَارَى أَيْلَةَ ثَلَاثَمِائَةِ دِينَارٍ كُلَّ سَنَةٍ وَأَنْ يُضَيِّفُوا مَنْ مَرَّ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثًا، وَلَا يَغُشُّوا مُسْلِمًا» أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَوْمَئِذٍ ثَلَاثَمِائَةٍ فَضَرَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَئِذٍ ثَلَاثَمِائَةِ دِينَارٍ كُلَّ سَنَةٍ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَإِذَا دَعَا مَنْ يَجُوزُ أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُ الْجِزْيَةُ إلَى الْجِزْيَةِ عَلَى مَا يَجُوزُ وَبَذَلَ دِينَارًا عَنْ نَفْسِهِ كُلَّ سَنَةٍ لَمْ يَجُزْ لِلْإِمَامِ إلَّا قَبُولُهُ مِنْهُ، وَإِنْ زَادَهُ عَلَى دِينَارٍ مَا بَلَغَتْ الزِّيَادَةُ، قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ جَازَ لِلْإِمَامِ أَخْذُهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى نَصَارَى أَيْلَةَ فِي كُلِّ سَنَةٍ دِينَارًا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ وَالضِّيَافَةُ زِيَادَةٌ عَلَى الدِّينَارِ وَسَوَاءٌ مُعْسِرُ الْبَالِغِينَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَمُوسِرُهُمْ بَالِغًا مَا بَلَغَ يُسْرُهُ؛ لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ إذَا صَالَحَ أَهْلَ الْيَمَنِ وَهُمْ عَدَدٌ كَثِيرٌ عَلَى دِينَارٍ عَلَى الْمُحْتَلِمِ فِي كُلِّ سَنَةٍ أَنَّ مِنْهُمْ الْمُعْسِرَ فَلَمْ يَضَعْ عَنْهُ وَأَنَّ فِيهِمْ الْمُوسِرَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ فَمَنْ عَرَضَ دِينَارًا مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا قُبِلَ مِنْهُ، وَإِنْ عَرَضَ أَقَلَّ مِنْهُ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ؛ لِأَنَّ مَنْ صَالَحَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ نَعْلَمْهُ صَالَحَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ دِينَارٍ قَالَ: فَالدِّينَارُ أَقَلُّ مَا يُقْبَلُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَعَلَيْهِ إنْ بَذَلُوهُ قَبُولُهُ مِنْهُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَزِدْ ضِيَافَةً، وَلَا شَيْئًا يُعْطِيهِ مِنْ مَالِهِ.

فَإِنْ صَالَحَ السُّلْطَانُ أَحَدًا مِمَّنْ يَجُوزُ أَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنْهُ، وَهُوَ يَقْوَى عَلَيْهِ عَلَى الْأَبَدِيِّ عَلَى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015