الام للشافعي (صفحة 1036)

أَوْ غُزُوا فَتَهَيَّئُوا لِلْقِتَالِ فَلَقُوا ضِعْفَهُمْ مِنْ الْعَدُوِّ حَرُمَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُوَلُّوا عَنْهُمْ إلَّا مُتَحَرِّفِينَ إلَى فِئَةٍ فَإِنْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ أَكْثَرَ مِنْ ضِعْفِهِمْ لَمْ أُحِبَّ لَهُمْ أَنْ يُوَلُّوا عَنْهُمْ، وَلَا يَسْتَوْجِبُ السُّخْطَ عِنْدِي مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَعَلَا لَوْ وَلَّوْا عَنْهُمْ إلَى غَيْرِ التَّحَرُّفِ لِلْقِتَالِ وَالتَّحَيُّزِ إلَى فِئَةٍ؛ لِأَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إنَّمَا يُوجِبُ سُخْطَهُ عَلَى مَنْ تَرَكَ فَرْضَهُ وَأَنَّ فَرْضَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْجِهَادِ إنَّمَا هُوَ عَلَى أَنْ يُجَاهِدَ الْمُسْلِمُونَ ضِعْفَهُمْ مِنْ الْعَدُوِّ، وَيَأْثَمُ الْمُسْلِمُونَ لَوْ أَطَلَّ عَدُوٌّ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ يَقْدِرُونَ عَلَى الْخُرُوجِ إلَيْهِ بِلَا تَضْيِيعٍ لِمَا خَلْفَهُمْ مِنْ ثَغْرِهِمْ إذَا كَانَ الْعَدُوُّ ضِعْفَهُمْ وَأَقَلَّ.

قَالَ: وَإِذَا لَقِيَ الْمُسْلِمُونَ الْعَدُوَّ فَكَثَرَهُمْ الْعَدُوُّ أَوْ قَوُوا عَلَيْهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَكْثُرُوهُمْ بِمَكِيدَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا فَوَلَّى الْمُسْلِمُونَ غَيْرَ مُتَحَرِّفِينَ لِقِتَالٍ، أَوْ مُتَحَيِّزِينَ إلَى فِئَةٍ رَجَوْت أَنْ لَا يَأْثَمُوا، وَلَا يَخْرُجُونَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ مِنْ الْمَأْثَمِ إلَّا بِأَنْ لَا يُوَلُّوا الْعَدُوَّ دُبُرًا إلَّا وَهُمْ يَنْوُونَ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ التَّحَرُّفِ إلَى الْقِتَالِ أَوْ التَّحَيُّزِ إلَى فِئَةٍ فَإِنْ وَلَّوْا عَلَى غَيْرِ نِيَّةِ وَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرَيْنِ خَشِيت أَنْ يَأْثَمُوا وَأَنْ يُحْدِثُوا بَعْدُ نِيَّةَ خَيْرٍ لَهُمْ وَمَنْ فَعَلَ هَذَا مِنْهُمْ تَقَرَّبَ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمَا اسْتَطَاعَ مِنْ خَيْرٍ بِلَا كَفَّارَةٍ مَعْلُومَةٍ فِيهِ.

قَالَ: وَلَوْ وَلَّوْا يُرِيدُونَ التَّحَرُّفَ لِلْقِتَالِ أَوْ التَّحَيُّزَ إلَى الْفِئَةِ ثُمَّ أَحْدَثُوا بَعْدُ نِيَّةً فِي الْمُقَامِ عَلَى الْفِرَارِ بِلَا وَاحِدَةٍ مِنْ النِّيَّتَيْنِ كَانُوا غَيْرَ آثِمِينَ بِالتَّوْلِيَةِ مَعَ النِّيَّةِ لِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ وَخِفْت أَنْ يَأْثَمُوا بِالنِّيَّةِ الْحَادِثَةِ أَنْ يَثْبُتُوا عَلَى الْفِرَارِ لَا لِوَاحِدٍ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ، وَإِنْ بَعْضُ أَهْلِ الْفَيْءِ نَوَى أَنْ يُجَاهِدَ عَدُوًّا بِلَا عُذْرٍ خِفْت عَلَيْهِ الْمَأْثَمَ، وَلَوْ نَوَى الْمُجَاهِدُ أَنْ يَفِرَّ عَنْهُ لَا لِوَاحِدٍ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ كَانَ خَوْفِي عَلَيْهِ مِنْ الْمَأْثَمِ أَعْظَمَ، وَلَوْ شَهِدَ الْقِتَالَ مَنْ لَهُ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الْقِتَالِ مِنْ الضُّعَفَاءِ وَالْمَرْضَى الْأَحْرَارِ خِفْت أَنْ يَضِيقَ عَلَى أَهْلِ الْقِتَالِ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا عُذِرُوا بِتَرْكِهِ، فَإِذَا تَكَلَّفُوهُ فَهُمْ مِنْ أَهْلِهِ كَمَا يُعْذَرُ الْفَقِيرُ الزَّمِنُ بِتَرْكِ الْحَجِّ، فَإِذَا حَجَّ لَزِمَهُ فِيهِ مَا لَزِمَ مَنْ لَا يُعْذَرُ بِتَرْكِهِ مِنْ عَمَلٍ وَمَأْثَمٍ وَفِدْيَةٍ.

قَالَ: وَإِنْ شَهِدَ الْقِتَالَ عَبْدٌ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ كَانَ كَالْأَحْرَارِ مَا كَانَ فِي إذْنِ سَيِّدِهِ يَضِيقُ عَلَيْهِ التَّوْلِيَةُ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ سَمَّيْت مِنْ أَهْلِ الْفَرَائِضِ الَّذِينَ يَجْرِي عَلَيْهِمْ الْمَأْثَمُ وَيَصْلُحُونَ لِلْقِتَالِ قَالَ: وَلَوْ شَهِدَ الْقِتَالَ عَبْدٌ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ لَمْ يَأْثَمْ بِالْفِرَارِ عَلَى غَيْرِ نِيَّةِ وَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ الْقِتَالُ، وَلَوْ شَهِدَ الْقِتَالَ مَغْلُوبٌ عَلَى عَقْلِهِ بِلَا سُكْرٍ لَمْ يَأْثَمْ بِأَنْ يُوَلِّيَ، وَلَوْ شَهِدَهُ مَغْلُوبٌ عَلَى عَقْلِهِ بِسُكْرٍ مِنْ خَمْرٍ فَوَلَّى كَانَ كَتَوْلِيَةِ الصَّحِيحِ الْمُطِيقِ لِلْقِتَالِ، وَلَوْ شَهِدَ الْقِتَالَ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ لَمْ يَأْثَمْ بِالتَّوْلِيَةِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّنْ لَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَلَمْ تَكْمُلْ الْفَرَائِضُ عَلَيْهِ، وَلَوْ شَهِدَ النِّسَاءُ الْقِتَالَ فَوَلَّيْنَ رَجَوْت أَنْ لَا يَأْثَمْنَ بِالتَّوْلِيَةِ؛ لِأَنَّهُنَّ لَسْنَ مِمَّنْ عَلَيْهِ الْجِهَادُ كَيْفَ كَانَتْ حَالُهُنَّ.

قَالَ: وَإِذَا حَضَرَ الْعَدُوُّ الْقِتَالَ فَأَصَابَ الْمُسْلِمُونَ غَنِيمَةً، وَلَمْ تُقْسَمْ حَتَّى وَلَّتْ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ، فَإِنْ قَالُوا وَلَّيْنَا مُتَحَرِّفِينَ لِقِتَالٍ، أَوْ مُتَحَيِّزِينَ إلَى فِئَةٍ كَانَتْ لَهُمْ سُهْمَانُهُمْ فِيمَا غُنِمَ بَعْدُ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مُقَاتِلِينَ، وَلَا رِدْءًا، وَلَوْ غَنِمَ الْمُسْلِمُونَ غَنِيمَةً ثُمَّ لَمْ تُقْسَمْ خُمِّسَتْ، أَوْ لَمْ تُخَمَّسْ حَتَّى وَلَّوْا وَأَقَرُّوا أَنَّهُمْ وَلَّوْا بِغَيْرِ نِيَّةِ وَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرَيْنِ وَادَّعَوْا أَنَّهُمْ بَعْدَ التَّوْلِيَةِ أَحْدَثُوا نِيَّةَ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ وَالرَّجْعَةَ وَرَجَعُوا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ غَنِيمَةٌ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَصِرْ إلَيْهِمْ حَتَّى صَارُوا مِمَّنْ عَصَى بِالْفِرَارِ وَتَرَكَ الدَّفْعَ عَنْهَا وَكَانُوا آثِمِينَ بِالتَّرْكِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا وَلَّى الْقَوْمُ غَيْرَ مُتَحَرِّفِينَ إلَى فِئَةٍ ثُمَّ غَزَوْا غَزَاةً أُخْرَى وَعَادُوا إلَى تَرْكِ الْغَزَاةِ فَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ غَنِيمَةٍ شَهِدُوهَا، وَلَمْ يُوَلُّوا بَعْدَهَا فَلَهُمْ حَقُّهُمْ مِنْهَا، وَإِذَا رَجَعَ الْقَوْمُ الْقَهْقَرَى بِلَا نِيَّةٍ لِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ كَانُوا كَالْمُوَلِّينَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُرِيدَ بِالتَّحْرِيمِ الْهَزِيمَةُ عَنْ الْمُشْرِكِينَ.

وَإِذَا غَزَا الْقَوْمُ فَذَهَبَتْ دَوَابُّهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عُذْرٌ بِأَنْ يُوَلُّوا، وَإِنْ ذَهَبَ السِّلَاحُ وَالدَّوَابُّ وَكَانُوا يَجِدُونَ شَيْئًا يَدْفَعُونَ بِهِ مِنْ حِجَارَةٍ، أَوْ خَشَبٍ، أَوْ غَيْرِهَا، وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَجِدُوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015