الام للشافعي (صفحة 1015)

أَعْطَاهُمُوهُ أَنْ يَكُونَ أَعْطَاهُ أَهْلَ الْبَأْسِ وَالنَّجْدَةِ دُونَ أَهْلِ الْعَجْزِ عَنْ الْغَنَاءِ، أَوْ أَعْطَاهُ مَنْ جَمَعَ الْحَاجَةَ وَالْغَنَاءَ مَا تَقُولُ لَهُ؟ قَالَ: أَقُولُ: لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ قَدْ أَعْطَى الْفَارِسَ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ وَالرَّاجِلَ سَهْمًا قُلْت: أَفَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَعْطَى الْفَارِسَ وَالرَّاجِلَ مِمَّنْ هُوَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ؟ قَالَ: إذَا حُكِيَ أَنَّهُ أَعْطَى الْفَارِسَ وَالرَّاجِلَ فَهُوَ عَامٌّ حَتَّى تَأْتِيَ دَلَالَةٌ بِخَبَرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ خَاصٌّ، وَهُوَ عَلَى الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ وَالْعَاجِزِ وَالشُّجَاعِ لِأَنَّا نَسْتَدِلُّ أَنَّهُمْ أُعْطُوهُ لِمَعْنَى الْحُضُورِ، فَقُلْت لَهُ: فَالدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ ذَوِي الْقُرْبَى أُعْطُوا سَهْمَ ذَوِي الْقُرْبَى بِمَعْنَى الْقَرَابَةِ مِثْلُهُ، أَوْ أَبْيَنُ قُلْت فِيمَنْ حَضَرَ أَرَأَيْت لَوْ قَالَ: قَائِلٌ مَا غُنِمَ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ لَيْسَ بِالْكَثِيرِ، فَلَوْ غَزَا قَوْمٌ فَغَنِمُوا غَنَائِمَ كَثِيرَةً أَعْطَيْنَاهُمْ بِقَدْرِ مَا كَانُوا يَأْخُذُونَ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ، قَدْ عَلِمَ اللَّهُ أَنْ يستغنموا الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ، فَإِذَا بَيَّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ لَهُمْ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسٍ فَسَوَاءٌ قَلَّتْ، أَوْ كَثُرَتْ أَوْ قَلُّوا، أَوْ كَثُرُوا، أَوْ اسْتَغْنَوْا أَوْ افْتَقَرُوا: قُلْت فَلِمَ لَا تَقُولُ هَذَا فِي سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى؟ .

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَقُلْت لَهُ أَرَأَيْت لَوْ غَزَا نَفَرٌ يَسِيرٌ بِلَادَ الرُّومِ فَغَنِمُوا مَا يَكُونُ السَّهْمُ فِيهِ مِائَةَ أَلْفٍ وَغَزَا آخَرُونَ التُّرْكَ فَلَمْ يَغْنَمُوا دِرْهَمًا وَلَقُوا قِتَالًا شَدِيدًا أَيَجُوزُ أَنْ تَصْرِفَ مِنْ التَّكْثِيرِ الَّذِي غَنِمَهُ الْقَلِيلُ بِلَا قِتَالٍ مِنْ الرُّومِ شَيْئًا إلَى إخْوَانِهِمْ الْمُسْلِمِينَ الْكَثِيرِ الَّذِينَ لَقُوا الْقِتَالَ الشَّدِيدَ مِنْ التُّرْكِ، وَلَمْ يَغْنَمُوا شَيْئًا؟ قَالَ: لَا قُلْت، وَلِمَ وَكُلٌّ يُقَاتِلُ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا؟ قَالَ: لَا يُغَيَّرُ شَيْءٌ عَنْ مَوْضِعِهِ الَّذِي سَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ بِمَعْنًى، وَلَا عِلَّةٍ، قُلْت، وَكَذَلِكَ قُلْت فِي الْفَرَائِضِ الَّتِي أَنْزَلَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَفِيمَا جَاءَ مِنْهَا عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: وَمَا ذَلِكَ؟ قُلْت أَرَأَيْت لَوْ قَالَ لَك: قَدْ يَكُونُ وَرِثُوا لِمَعْنَى مَنْفَعَتِهِمْ لِلْمَيِّتِ كَانَتْ فِي حَيَاتِهِ وَحِفْظِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَمَنْفَعَةٍ كَانَتْ لَهُمْ وَمَكَانِهِمْ كَانَ مِنْهُ وَمَا يَكُونُ مِنْهُمْ مِمَّا يَتَخَلَّى مِنْهُ غَيْرُهُمْ فَأَنْظُرُ فَأَيُّهُمْ كَانَ أَحَبَّ إلَيْهِ وَخَيْرًا لَهُ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ وَأَحْوَجَ إلَى تَرِكَتِهِ وَأَعْظَمَ مُصِيبَةً بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَأَجْعَلُ لَهُمْ سَهْمَ مَنْ خَالَفَهُمْ هَذَا مِمَّنْ كَانَ يُسِيءُ إلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ وَإِلَى تَرِكَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَهُوَ غَنِيٌّ عَنْ مِيرَاثِهِ قَالَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بَلْ يُنَفَّلُ مَا جَعَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَنْ جَعَلَهُ قُلْت وَقَسْمُ الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ وَالْمَوَارِيثِ وَالْوَصَايَا عَلَى الْأَسْمَاءِ دُونَ الْحَاجَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْت لَهُ بَلْ قَدْ يُعْطَى أَيْضًا مَنْ الْفَيْءِ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ قَالَ: نَعَمْ قَدْ أَخَذَ عُثْمَانُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ عَطَاءَهُمَا وَلَهُمَا غِنًى مَشْهُورٌ فَلَمْ يُمْنَعَاهُ مِنْ الْغِنَى قُلْت فَمَا بَالُ سَهْمِ ذَوِي الْقُرْبَى، وَفِيهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَهُوَ أَثْبَتُ مِمَّنْ قُسِمَ لَهُ مِمَّنْ مَعَهُ مِنْ الْيَتَامَى وَابْنِ السَّبِيلِ وَكَثِيرٍ مِمَّا ذَكَرْنَا، أَدْخَلْت فِيهِ مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ فِي مِثْلِهِ أَضْعَفُ مِنْهُ؟ قَالَ: فَأَعَادَ هُوَ وَبَعْضُ مَنْ يَذْهَبُ مَذْهَبَهُ قَالُوا أَرَدْنَا أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ قُلْت لَهُ أَوْ مَا يُكْتَفَى بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؟ .

قَالَ: بَلَى قُلْت، فَقَدْ أَعَدْت هَذَا أَفَرَأَيْت إذَا لَمْ يَثْبُتْ بِخَبَرٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَلَا عُمَرَ إعْطَاءُ الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ أَطَرَحْتهمْ؟ قَالَ: لَا قُلْت أَوَرَأَيْت إذَا لَمْ يَثْبُت عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ أَعْطَى الْمُبَارِزَ السَّلَبَ وَيَثْبُتُ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أَعْطَاهُ أُخْرَى وَخَمَّسَهُ فَكَيْفَ؟ قُلْت فِيهِ: وَكَيْفَ اسْتَخْرَجْت تَثْبِيتَ السَّلَبِ إذًا؟ قَالَ: الْإِمَامُ هُوَ لِمَنْ قَتَلَ وَلَيْسَ يَثْبُتُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَخَالَفْت عُمَرَ فِي الْكَثِيرِ مِنْهُ وَخَالَفْت ابْنَ عَبَّاسٍ، وَهُوَ يَقُولُ السَّلَبُ مِنْ الْغَنِيمَةِ، وَفِي السَّلَبِ الْخُمُسُ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] الْآيَةَ، قَالَ: إذَا ثَبَتَ الشَّيْءُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُوَهِّنُهُ أَنْ لَا يَثْبُتَ عَمَّنْ بَعْدَهُ، وَلَا مَنْ خَالَفَهُ مِنْ بَعْدِهِ قُلْت، وَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ التَّأْوِيلُ؟ قَالَ: وَإِنْ؛ لِأَنَّ الْحُجَّةَ فِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُلْت لَهُ قَدْ ثَبَتَ حُكْمُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَحُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِذَوِي الْقُرْبَى بِسَهْمِهِمْ فَكَيْفَ أَبْطَلْته وَقُلْت، وَقَدْ قَالَ: اللَّهُ تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] وَقَالَ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِيمَا سُقِيَ بِالسَّمَاءِ الْعُشْرُ»

طور بواسطة نورين ميديا © 2015