فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ عِنْدَنَا فِي سَهْمِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يُرَدُّ عَلَى السُّهْمَانِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَعَهُ؛ لِأَنِّي رَأَيْت الْمُسْلِمِينَ قَالُوا فِيمَنْ سُمِّيَ لَهُ سَهْمٌ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ فَلَمْ يُوجَدْ يُرَدُّ عَلَى مَنْ سُمِّيَ مَعَهُ. وَهَذَا مَذْهَبٌ يَحْسُنُ، وَإِنْ كَانَ قَسْمُ الصَّدَقَاتِ مُخَالِفًا قَسْمَ الْفَيْءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَضَعُهُ الْإِمَامُ حَيْثُ رَأَى عَلَى الِاجْتِهَادِ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَضَعُهُ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَاَلَّذِي أَخْتَارُ أَنْ يَضَعَهُ الْإِمَامُ فِي كُلِّ أَمْرٍ حَصَّنَ بِهِ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ مِنْ سَدِّ ثَغْرٍ وَإِعْدَادِ كَرَاعٍ، أَوْ سِلَاحٍ، أَوْ إعْطَاءِ أَهْلِ الْبَلَاءِ فِي الْإِسْلَامِ نَفْلًا عِنْدَ الْحَرْبِ وَغَيْرِ الْحَرْبِ إعْدَادًا لِلزِّيَادَةِ فِي تَعْزِيرِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ عَلَى مَا صَنَعَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَعْطَى الْمُؤَلَّفَةَ وَنَفَلَ فِي الْحَرْبِ وَأَعْطَى عَامَ خَيْبَرَ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِهِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ أَهْلِ الْحَاجَةِ وَفَضَّلَ وَأَكْثَرُهُمْ أَهْلُ فَاقَةٍ نَرَى ذَلِكَ كُلَّهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ مِنْ سَهْمِهِ.
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ بِقَوْلِنَا فِي سَهْمِ الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَزَادَ سَهْمَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَهْمَ ذِي الْقُرْبَى: فَقُلْت لَهُ أَعْطَيْت بَعْضَ مَنْ قَسَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ مَالَهُ وَزِدْته وَمَنَعْت بَعْضَ مَنْ قَسَمَ اللَّهُ لَهُ مَاله فَخَالَفْت الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ فِيمَا أَعْطَيْت وَمَنَعْت.
فَقَالَ: لَيْسَ لِذِي الْقُرْبَى مِنْهُ شَيْءٌ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَكَلَّمُونَا فِيهِ بِضُرُوبٍ مِنْ الْكَلَامِ قَدْ حَكَيْت مَا حَضَرَنِي مِنْهَا وَأَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ فَقَالَ: بَعْضُهُمْ مَا حُجَّتُكُمْ فِيهِ؟ قُلْت الْحُجَّةُ الثَّابِتَةُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ.
وَذَكَرْت لَهُ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ فِيهِ قَالَ فَإِنَّ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ رَوَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: سَأَلْت أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ مَا صَنَعَ عَلِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْخُمُسِ؟ فَقَالَ سَلَكَ بِهِ طَرِيقَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُؤْخَذَ عَلَيْهِ خِلَافُهُمَا، وَكَانَ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَرَى فِيهِ رَأَيَا خِلَافَ رَأْيِهِمَا فَاتَّبَعَهُمَا.
فَقُلْت لَهُ هَلْ عَلِمْت أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَسَمَ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَسَوَّى بَيْنَ النَّاسِ وَقَسَمَ عُمَرُ فَلَمْ يَجْعَلْ لِلْعَبِيدِ شَيْئًا وَفَضَّلَ بَعْضَ النَّاسِ عَلَى بَعْضٍ وَقَسَمَ عَلِيٌّ فَلَمْ يَجْعَلْ لِلْعَبِيدِ شَيْئًا وَسَوَّى بَيْنَ النَّاسِ؟ قَالَ: نَعَمْ: قُلْت أَفَتَعْلَمُهُ خَالَفَهُمَا مَعًا؟ قَالَ: نَعَمْ: قُلْت أَوْ تَعْلَمُ عُمَرُ قَالَ: لَا تُبَاعُ أُمَّهَاتُ الْأَوْلَادِ وَخَالَفَهُ عَلِيٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ: قُلْت وَتَعْلَمُ أَنَّ عَلِيًّا خَالَفَ أَبَا بَكْرٍ فِي الْجَدِّ؟ قَالَ: نَعَمْ: قُلْت فَكَيْفَ جَازَ لَك أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَك عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ أَنَّ عَلِيًّا رَأَى غَيْرَ رَأْيِهِمَا فَاتَّبَعَهُمَا وَبَيِّنٌ عِنْدَك أَنَّهُ قَدْ يُخَالِفُهُمَا فِيمَا وَصَفْنَا، وَفِي غَيْرِهِ؟ قَالَ: فَمَا قَوْلُهُ سَلَكَ بِهِ طَرِيقَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، قُلْت هَذَا كَلَامٌ جُمْلَةٌ يَحْتَمِلُ مَعَانِيَ فَإِنْ قُلْت كَيْفَ صَنَعَ فِيهِ عَلِيٌّ؟ فَذَلِكَ يَدُلُّنِي عَلَى مَا صَنَعَ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) وَأُخْبِرْنَا عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ حَسَنًا وَحُسَيْنًا وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ سَأَلُوا عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَنْهُمْ - نَصِيبَهُمْ مِنْ الْخُمُسِ فَقَالَ: هُوَ لَكُمْ حَقٌّ وَلَكِنِّي مُحَارَبٌ مُعَاوِيَةَ فَإِنْ شِئْتُمْ تَرَكْتُمْ حَقَّكُمْ مِنْهُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) فَأَخْبَرْت بِهَذَا الْحَدِيثِ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ مُحَمَّدٍ فَقَالَ: صَدَقَ: هَكَذَا كَانَ جَعْفَرٌ يُحَدِّثُهُ أَفَمَا حَدَّثَكَهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ؟ قُلْت: لَا قَالَ مَا أَحْسَبُهُ إلَّا عَنْ جَدِّهِ: قَالَ: فَقُلْت لَهُ أَجَعْفَرٌ أَوْثَقُ وَأَعْرَفُ بِحَدِيثِ أَبِيهِ أَمْ ابْنُ إِسْحَاقَ؟ قَالَ: بَلْ جَعْفَرٌ، فَقُلْت لَهُ هَذَا بَيِّنٌ لَك إنْ كَانَ ثَابِتًا أَنَّ مَا ذَهَبْت إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ مَا ذَهَبْت إلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَدَلَّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ أَعْطَيَاهُ أَهْلَهُ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ مُرْسَلٌ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ لَا أَدْرِي كَيْفَ كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ، قُلْت: وَكَيْفَ احْتَجَجْت بِهِ إنْ كَانَ حُجَّةً فَهُوَ عَلَيْك، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً فَلَا تَحْتَجَّ بِمَا لَيْسَ بِحَجَّةٍ وَاجْعَلْهُ كَمَا لَمْ يَكُنْ: قَالَ: فَهَلْ فِي حَدِيثِ جَعْفَرٍ أَعْطَاهُمُوهُ؟ قُلْت أَيَجُوزُ عَلَى عَلِيٍّ، أَوْ عَلَى رَجُلٍ دُونَهُ أَنْ يَقُولَ هُوَ لَكُمْ حَقٌّ ثُمَّ يَمْنَعَهُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ إنْ طَابَتْ أَنْفُسُهُمْ قُلْنَا: وَهُمْ إنْ طَابَتْ أَنْفُسُهُمْ عَمَّا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ مَوَارِيثِ آبَائِهِمْ وَأَكْسَابِهِمْ حَلَّ لَهُ أَخْذُهُ.
قَالَ: فَإِنَّ الْكُوفِيِّينَ قَدْ رَوَوْا فِيهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ شَيْئًا أَفَعَلِمْته؟ قُلْت: نَعَمْ وَرَوَوْا ذَلِكَ عَنْ