تَحْتَ بَدَنِهِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَإِنْ كَانَ فِي سَلَبِهِ سِوَارُ ذَهَبٍ، أَوْ خَاتَمٌ، أَوْ تَاجٌ، أَوْ مِنْطَقَةٌ فِيهَا نَفَقَةٌ، فَلَوْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنَّ هَذَا مِمَّا عَلَيْهِ مِنْ سَلَبِهِ كَانَ مَذْهَبًا، وَلَوْ قَالَ: لَيْسَ هَذَا مِنْ عِدَّةِ الْحَرْبِ، وَإِنَّمَا لَهُ سَلَبُ الْمَقْتُولِ الَّذِي هُوَ لَهُ سِلَاحٌ كَانَ وَجْهًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَا يُخَمَّس السَّلْبُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَعَارَضَنَا مُعَارِضٌ فَذَكَر أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: إنَّا كُنَّا لَا نُخَمِّس السَّلَب وَأَنَّ سَلَبَ الْبَرَاءِ قَدْ بَلَغَ شَيْئًا كَثِيرًا، وَلَا أَرَى أَنِّي إلَّا خَامِسُهُ قَالَ: فَخَمَّسَهُ وَذُكِرَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: السَّلَبُ مِنْ الْغَنِيمَةِ، وَفِيهِ الْخُمُسُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَإِذَا قَالَ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» فَآخُذُ خُمُسَ السَّلَبِ أَلَيْسَ إنَّمَا يَكُونُ لِصَاحِبِهِ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ لَا كُلُّهُ، وَإِذَا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْءٌ لَمْ يَجُزْ تَرْكُهُ فَإِنْ قَالَ: قَائِلٌ فَلَعَلَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى السَّلَبَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ذَا خَطَرٍ وَعُمَرُ يُخْبِرُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُخَمِّسُهُ، وَإِنَّمَا خَمَّسَهُ حِينَ بَلَغَ مَالًا كَثِيرًا فَالسَّلَبُ إذَا كَانَ غَنِيمَةً فَأَخْرَجْنَاهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ حُكْمَهَا وَقُلْنَا قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] عَلَى أَكْثَرِ الْغَنِيمَةِ لَا عَلَى كُلِّهَا فَيَكُونُ السَّلَبُ مِمَّا لَمْ يُرَدَّ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَصَفِيُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا غَنِمَ مَأْكُولًا فَأَكَلَهُ مَنْ غَنِمَهُ وَيَكُونُ هَذَا بِدَلَالَةِ السُّنَّةِ وَمَا بَقِيَ تَحْتَمِلُهُ الْآيَةُ، وَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى السَّلَبَ مَنْ قَتَلَ لَمْ يَجُزْ عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يُخَمَّسَ وَيُقْسَمَ إذْ كَانَ اسْمُ السَّلَبِ يَكُونُ كَثِيرًا وَقَلِيلًا، وَلَمْ يَسْتَثْنِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَلِيلَ السَّلَبِ، وَلَا كَثِيرَهُ أَنْ يَقُولَ يُعْطَى الْقَلِيلُ مِنْ السَّلْبِ دُونَ الْكَثِيرِ وَنَقُولُ دَلَّتْ السُّنَّةُ أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ بِمَا يُخَمَّس مَا سِوَى السَّلَبِ مِنْ الْغَنِيمَةِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مِنْ خُمْسِ السَّلَبِ عَنْ عُمَرَ لَيْسَتْ مِنْ رِوَايَتِنَا وَلَهُ رِوَايَةٌ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فِي زَمَانِ عُمَرَ تُخَالِفُهَا. أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ يُسَمَّى سِيَرَ بْنَ عَلْقَمَةَ قَالَ: بَارَزْت رَجُلًا يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ فَقَتَلْته فَبَلَغَ سَلَبُهُ اثْنَيْ عَشْرَ أَلْفًا فَنَفَّلَنِيهِ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَاثْنَيْ عَشْرَ أَلْفًا كَثِيرٌ.
الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ النَّفْلِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ سَرِيَّةً فِيهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قِبَلَ نَجْدٍ فَغَنِمُوا إبِلًا كَثِيرَةً كَانَتْ سُهْمَانُهُمْ اثْنَيْ عَشْرَ بَعِيرًا، أَوْ أَحَدَ عَشْرَ بَعِيرًا ثُمَّ نُفِلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا» أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ كَانَ النَّاسُ يُعْطَوْنَ النَّفَلَ مِنْ الْخُمُسِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ إنَّمَا أُعْطُوا مَالَهُمْ مِمَّا أَصَابُوا عَلَى أَنَّهُمْ نُفِلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا وَالنَّفَلُ هُوَ شَيْءٌ زِيدُوهُ غَيْرُ الَّذِي كَانَ لَهُمْ وَقَوْلُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ يُعْطُونَ النَّفَلَ مِنْ الْخُمُسِ كَمَا قَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَذَلِكَ مِنْ خُمُسِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ لَهُ خُمُسًا مِنْ كُلِّ غَنِيمَةٍ فَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَضَعُهُ حَيْثُ أَرَاهُ اللَّهُ كَمَا يَضَعُ سَائِرَ مَالِهِ فَكَانَ الَّذِي يُرِيهِ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَا فِيهِ صَلَاحُ الْمُسْلِمِينَ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَمَا سِوَى سَهْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ جَمِيعِ الْخُمُسِ لِمَنْ سَمَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ فَلَا يَتَوَهَّمْ عَالَمٌ أَنْ يَكُونَ قَوْمٌ حَضَرُوا فَأَخَذُوا مَالَهُمْ وَأُعْطُوا مِمَّا لِغَيْرِهِمْ إلَّا أَنْ يَطَّوَّعَ بِهِ عَلَيْهِمْ غَيْرُهُمْ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَالنَّفَلُ فِي هَذَا الْوَجْهِ مِنْ سَهْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْتَهِدَ، فَإِذَا كَثُرَ الْعَدُوُّ وَاشْتَدَّتْ الشَّوْكَةُ وَقَلَّ مَنْ بِإِزَائِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ نَفَل مِنْهُ اتِّبَاعًا لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَمْ يُنَفِّلْ، وَذَلِكَ أَنَّ أَكْثَرَ مَغَازِي النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -