وقد اختلفوا في معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - "نحن أحق بالشك" فقيل: معناه إذا لم نشك نحن فإبراهيم أولى أن لا يشك، أي لو كان الشك متطرقاً إلى الأنبياء، لكنت أنا أحق به منهم، وقد علمتم أني لم أشك، فاعلموا أنه لم يشك. وإنما قال ذلك تواضعاً منه، أو من قبل أن يعلمه الله بأنه أفضل من إبراهيم1.
وقال بعض أهل العلم: إن المراد بالشك في الحديث السابق الخواطر التي لا تثبت، وأما الشك المصطلح، وهو التوقف بين الأمرين، لا مزية لأحدهما على الآخر، فهو منفي عن الخليل قطعاً؛ لأنه يبعد وقوعه ممن رسخ الإيمان في قلبه، فكيف بمن بلغ رتبة النبوة2.
وقال القاضي عياض3: لم يشك إبراهيم بأن الله يحيى الموتى، ولكن أراد طمأنينة القلب، وترك المنازعة لمشاهدة الإحياء، فحصل له العلم الأول بوقوعه، وأراد العلم الثاني بكيفيته ومشاهدته. ويحتمل أنه سأل زيادة اليقين، وإن لم يكن في الأول شك، لأن العلوم قد تتفاوت في قوتها، فأراد الترقي من علم اليقين، إلى عين اليقين، والله أعلم4.
وقال شيخ الإسلام: "لفظ الشك يراد به تارة ما ليس بيقين، وإن كان هناك دلائل وشواهد عليه، حتى قد قيل في قوله: "نحن أحق بالشك من إبراهيم" أنه جعل ما دون طمأنينة القلب التي طلبها إبراهيم شكاً، وإن كان إبراهيم موقناً ليس عنده شك يقدح في يقينه، ولهذا لما قال له ربه: {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} "5.
فالشك المراد في الحديث هو ما دون طمأنينة القلب، فإن ذلك قد يسمى شكاً. وقيل الحديث مبني على نفي الشك، فيكون الشك هو الخواطر التي لا تثبت.