قال الخزاعي: وإدغامها في الفاء اختيار خلف في رواية الحلواني عنه.
وقرئ على أبي القاسم وأنا أسمع، عن أبي معشر، عن الحسين بن علي، عن الخزاعي قال: سمعت أبا بكر الشذائي يقول: إدغام الميم في الفاء لحن.
قال لي أبي -رضي الله عنه: المعول عليه إظهار الميم عند الفاء والواو والباء، ولا يتجه إخفاؤها عندهن إلا بأن يزال مخرجها من الشفة، ويبقى مخرجها من الخيشوم، كما فعل ذلك في النون المخفاة. وإنما ذكر سيبويه الإخفاء في النون دون الميم، ولا ينبغي أن تحمل على النون في هذا؛ لأن النون هي الداخلة على الميم في البدل في قولهم: شنباء وعنبر، و {صُمٌّ بُكْمٌ} فحمل الميم عليها غير متجه؛ لأن للنون تصرفًا ليس للميم، ألا ترى أنها تدغم ويدغم فيها، والميم يدغم فيها ولا تدغم، إلا أن يريد القائلون بالإخفاء انطباق الشفتين على الحرفين انطباقا واحدا، فذلك ممكن في الباء وحدها في نحو: أكرم بزيد، فأما في الفاء والواو فغير ممكن فيهما الإخفاء إلا بإزالة مخرج الميم من الشفتين، وقد تقدم امتناع ذلك، فإن أرادوا بالإخفاء أن يكون الإظهار رفيقا غير عنيف فقد اتفقوا على المعنى، واختلفوا في تسميته إظهارا أو إخفاء، ولا تأثير لذلك. وأما الإدغام المحض فلا وجه له.
وقال لي: وما ذُكر عن الفراء من إخفاء النون عند الباء فوجه ذلك أنه سمى الإبدال إخفاء، كما سمى الإدغام في موضع آخر من كتابه إخفاء، فيرجع الخلاف إلى العبارة لا إلى المعنى، إذ الإخفاء الصحيح في هذا الموضع لم يستعمله أحد من المتقدمين والمتأخرين في تلاوة، ولا حكوه في لغة.
وكذلك ما ذُكر عن ابن مجاهد في إخفاء الميم عند الباء قول متجوز به على سيبويه، فعلق عبارة الفراء على مذهب سيبويه، فإن كان عنده من التحصيل ما عند الفراء فعذره ما ذكرنا، وإن كان أراد غير ذلك فهو افتيات على سيبويه.
قال أبو جعفر: ولا خلاف في إظهار الميم الساكنة عند الياء، نحو:
{لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [يوسف: 62] , و {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86] ، و {أَهُمْ يَقْسِمُونَ} [الزخرف: 32] وما أشبه ذلك.