((الاقتصاد في الاعتقاد)) وهو اسم على مسمى، فعقيدة السلف وسط بين الإفراط والتفريط، عقيدة تجمع ولا تفرق، لها من الخصائص العظيمة ما لم ولن يتوافر في ما سواها من العقائد المنحرفة، التي ضلت الطريق القويم باطراح دلالة الوحي، والجري وراء عقليات سقيمة، وفلسفات عقيمة، أدت إلى تعطيل الخالق عن صفات الكمال، وإلى نفي القدر، وإلى القول بالجبر، والتكفير لمذنبي الأمة ونفي الغيبيات الثابتة، وغير ذلك من الانحرافات المزرية.
وكان حامل لواء الانحراف رجل دخيل هو الجهم بن صفوان الترمذي، الذي ظهر في نهاية المئة الأولى، فحمل لواء التعطيل، وتولى كبر الجحود والإنكار، فعطل صفات الرب تعالى، وحارب تعاليم الإسلام، وانتشرت بعد ذلك المذاهب الكلامية، والمناهج الفلسفية، وتوزعت تركته بين أربابها، ولكن الحق يعلو ولا يعلى عليه فهو أبلج ناصع، سهل ميسور، أما تعقيدات القوم فلم تنطل إلا على من فسدت فطرته، أو عظم جهله، أو غلبت عليه شقوته، وقد أدى علماء الأمة ومن بينهم الإمام المقدسي واجب الإيضاح والبيان، والتحذير من مجانبة طريق أهل القرآن، وإنني إذ أقدم هذا السفر القيم بما حوى من تعليقات توضح غامضاً، أو تفصل مجملاً،