الرسول، فإنه إذا جاء بالمعجزة وقال انظروا فيها، فللمخاطب أن يقول إن لم يكن النظر واجباً فلا اقدم عليه وإن كان واجباً فيستحيل أن يكون مدركه العقل، والعقل لا يوجب، ويستحيل أن يكون مدركه الشرع، والشرع لا يثبت إلا بالنظر في المعجزة ولا يجب النظر قبل ثبوت الشرع فيؤدي إلى أن لا يظهر صحة النبوة أصلاً. والجواب أن هذا السؤال مصدره الجهل بحقيقة الوجوب، وقد بينا أن معنى الوجوب ترجيح جانب الفعل على الترك بدفع ضرر موهوم في الترك أو معلوم، وإذا كان هذا هو الوجوب فالموجب هو المرجح وهو الله تعالى، فإنه إذا ناط العقاب بترك النظر ترجح فعله على تركه، ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم إنه واجب مرجح بترجح الله تعالى في ربطه العقاب بأحدهما. وأما المدرك فعبارة عن جهة معرفة الوجوب لا عن نفس الوجوب، وليس شرط الواجب أن يكون وجوبه معلوماً، بل أن يكون علمه متمكناً لمن أراده. فيقول النبي إن الكفر سم مهلك والإيمان شفاء مسعد بأن جعل الله تعالى أحدهما مسعداً والآخر مهلكاً، ولست أوجب عليك شيئاً، فزن الايجاب هو الترجيح والمرجح هو الله تعالى وإنما أنا مخبر عن كونه سم ومرشد لك إلى طريق تعرف به صدقي وهو النظر في المعجزة، فإن سلكت الطريق عرفت ونجوت؛ وإن تركت هلكت. ومثاله مثال طبيب انتهى إلى مريض وهو متردد بين دوائين موضوعين بين يديه، فقال له أما هذا فلا تتناوله فإنه لهلك للحيوان وأنت قادر على معرفته بأن تطعمه هذا السنور فيموت على الفور فيظهر لك ما قلته. وأما هذا ففيه شفاؤك وأنت قادر على معرفته بالتجربات وهو إن تشربه فتشفى فلا فرق في حقي ولا في حق أُستاذي بين أن يهلك أو يشفى فإن أُستاذي غني عن بقائك وأنا أيضاً كذلك، فعند هذا لو قال المريض هذا يجب علي بالعقل أو بقولك وما لم يظهر لي هذا لم أشتغل بالتجربة كان مهلكاً نفسه ولم يكن عليه ضرر، فكذلك النبي قد أخبره الله تعالى بأن الطاعة شفاء والمعصية داء وأن الإيمان مسعد والكفر مهلك وأخبره بأنه غني عن العالمين سعدوا أم شقوا فإنما شأن الرسول أن يبلغ ويرشد إلى طريقة المعرفة وينصرف، فمن نظر فلنفسه ومن قصر فعليها، وهذا واضح. فإن قيل: فقد رجع الأمر إلى أن العقل هو الموجب من حيث أنه بسماع كلامه ودعواه يتوقع عقاباً فيحمله العقل على الحذر ولا يحصل إلا بالنظر فيوجب عليه النظر، قلنا: الحق الذي يكشف الغطاء في هذا من غير اتباع وهم وتقليد أمر هو أن الوجوب كما بأن عبارة عن نوع رجحان في الفعل، والموجب هو الله تعالى لأنه هو المرجح، والرسول مخبر عن الترجيح، والمعجزة دليل على صدقه في الخبر، والنظر