الدعوى الثانية: إن ما لا فائدة فيه فهو عبث، فهذا تكرير عبارة؛ فإنا بينا أنه لا يراد بالعبث إلا ما لا فائدة فيه فإن أريد به غيره فهو غير مفهوم.
الدعوى الثالثة: إن العبث على الله تعالى محال، وهذا فيه تلبيس، لأن لأن العبث عبارة عن فعل لا فائدة فيه ممن يتعرض للفوائد، فمن لا يتعرض لها فتسميته عابثاً مجاز محض لا حقيقة له يضاهي قول القائل الريح عابثة بتحيكها الأشجار إذ لا فائدة لها فيه، ويضاهي قول القائل الجدار غافل أي هو خال عن العلم والجهل وهذا باطل لأن الغافل يطلق على القابل للجهل والعلم إذا خلا عنهما، فاطلاقهما على الذي لا يقبل العلم مجاز لا أصل له، وكذلك اطلاق اسم العابث على الله تعالى واطلاق العبث على أفعاله سبحانه وتعالى، والدليل الثاني في المسألة، ولا محيص لأحد عنه، أن الله تعالى كلف أبا جهل أن يؤمن وعلم أنه لا يؤمن، وأخبر عنه بأنه لا يؤمن، فكأنه أمر بأن يؤمن بأنه لا يؤمن، إذ كان من قول الرسول صلى الله عليه وسلم إنه لا يؤمن وكان هو مأموراً بتصديقه، فقد قيل له صدق بأنك لا تصدق، وهذا محال. وتحقيقه أن خلاف المعلوم محال وقوعه ولكن ليس محالاً لذاته، بل هو محال لغيره، والمحال لغيره في امتناع الوقوع كالمحال لذاته، ومن قال إن الكفار الذين لم يؤمنوا ما كانوا مأمورين بالايمان فقد جحد الشرع، ومن قال كان الايمان منهم متصوراً مع علم الله سبحانه وتعالى بأنه لا يقع، فقد اضطر كل فريق إلى القول بتصور الأمر بما لا يتصور امتثاله، ولا يغني عن هذا قول القائل إنه كان مقدوراً عليه وكان للكافر عليه قدرة، أما على مثلنا فلا قدرة قبل الفعل ولم تكن لهم قدرة إلا على الكفر الذي صدر منهم، وأما عند المعتزلة فلا يمتنع وجود القدرة ولكن القدرة غير كافية لوقوع المقدور بل له شرط كالارادة وغيرها، ومن شروطه أن لا ينقلب علم الله تعالى جهلاً. والقدرة لا تراد لعينها بل لتيسيير الفعل بها، فكيف يتيسر فعل يؤدي إلى انقلاب العلم جهلاً؟ فاستبان أن هذا واقع في ثبوت التكليف بما هو محال لغيره، فكذا يقاس عليه ما هو محال لذاته إذ لا فرق بينهما في إمكان التلفظ ولا في تصور الاقتضاء ولا في الاستقباح والاستحسان.
الدعوى الثالثة:
ندعي أن الله تعالى قادر على إيلام الحيوان البريء عن الجنايات ولا يلزم عليه ثواب. وقالت المعتزلة إن ذلك محال لأنه قبيح، ولذلك لزمهم المصير إلى أن كل بقة وبرغوث أو ذي بعرة أو صدمة فإن الله عز وجل يجب عليه أن يحشره ويثيبه عليه