الثالث: ما يدل على الوجود وصفة زائدة من صفات المعنى كالحي والقادر والمتكلم والمريد والسميع والبصير والعالم وما يرجع إلى هذه الصفات السبعة كالآمر والناهي والخبير ونظائره، فذلك أيضاً يصدق عليه أزلاً وأبداً عند من يعتقد قدم جميع الصفات.
الرابع: ما يدل على الوجود مع إضافة إلى فعل من أفعاله كالجواد والرزاق والخالق والمعز والمذل وأمثاله، وهذا مختلف فيه، فقال قوم هو صادق أزلاً إذ لو لم يصدق لكان اتصافه به موجباً للتغير وقال قوم لا يصدق إذ لا خلق في الأزل فكيف خالقاً. والكاشف للغطاء عن هذا أن السيف في الغمد يسمى صارماً وعند حصول القطع به وفي تلك الحالة على الاقتران يسمى صارماً، وهما بمعنيين مختلفين، فهو في الغمد صارم بالقوة وعند حصول القطع صارم بالفعل وكذلك الماء في الكوز يسمى مروياً وعند الشرب يسمى مروياً وهما إطلاقان مختلفان فمعنى تسمية السيف في الغمد صارماً أن الصفة التي يحصل بها القطع في الحال لقصور في ذات السيف وحدته واستعداده بل لأمر آخر وراء ذاته. فبالمعنى الذي يسمى السيف في الغمد صارماً يصدق اسم الخالق على الله تعالى في الأزل فإن الخلق إذ أجري بالفعل لم يكن لتجدد أمر في الذات لم يكن، بل كل ما يشترط لتحقيق الفعل موجود في الأزل. وبالمعنى الذي يطلق حالة مباشرة القطع للسيف اسم الصارم لا يصدق في الأزل فهذا حظ المعنى. فقد ظهر أن من قال إنه لا يصدق في الأزل هذا الاسم فهو محق وأراد به المعنى الثاني، ومن قال يصدق في الأزل فهو محق وأراد به المعنى الأول. وإذا كشف الغطاء على هذا الوجه ارتفع الخلاف. فهذا تمام ما أردنا ذكره في قطب الصفات وقد اشتمل على سبعة دعاو، وتفرع عن صفة القدرة ثلاثة فروع، وعن صفة الكلام خمسة استبعادات، واجتمع من الأحكام المشتركة بين الصفات أربعة أحكام، فكان المجموع قريباً من عشرين دعوى هي أصول الدعاوى وإن كان تنبني كل دعوى على دعاوى بها يتوصل إلى اثباتها فلنشتغل بالقطب الثالث من الكتاب إن شاء الله تعالى.