المحيل لهذا؟ فإن لم يكن على استحالة هذا دليل، فمن أين ينفعكم قولكم أن اسم الإله لا يطلق على هؤلاء؟ فإن هذا القائل يعبر بالإله عن الخالق، أو يقول أحدهما خالق الخير والآخر خالق الشر، أو أحدهما خالق الجواهر والآخر خالق الأعراض، فلا بد من دليل على استحالة ذلك.
فنقول: يدل على استحالة ذلك أن هذه التوزيعات للمخلوقات على الخالقين في تقدير هذا السائل لا تعدو قسمين: إما أن تقتضي تقسيم الجواهر والأعراض جميعاً حتى خلق أحدهما بعض الأجسام والأعراض دون البعض، أو يقال كل الأجسام من واحد وكل الأعراض من واحد، وباطل أن يقال إن بعض الأجسام بخلقها واحد كالسماء مثلاً دون الأرض؛ فإنا نقول خالق السماء هل هو قادر على خلق الأرض أم لا، فإن كان قادراً كقدرته، لم يتميز أحدهما في القدرة عن الآخر، فلا يتميز في المقدور عن الآخر فيكون المقدور بين قادرين ولا تكون نسبته إلى أحدهما بأولى من الآخر، وترجع الاستحالة إلى ما ذكرناه من تقدير تزاحم متماثلين من غير فرق، وهو محال. وإن لم يكن قادراً عليه فهو محال لأن الجواهر متماثلة وأكوانها التي هي اختصاصات بالأحياز متماثلة، والقادر على الشيء قادر على مثله إذ كانت قدرته قديمة بحيث يجوز أن يتعلق بمقدورين وقدرة كل واحد منهما تتعلق بعدة من الأجسام والجواهر، فلم تتقيد بمقدور واحد. وإذا جاوز المقدور الواحد على خلاف القدرة الحادثة، لم يكن بعض الأعداد بأولى من بعض، بل يجب الحكم بنفي النهاية عن مقدوراته ويدخل كل جوهر ممكن وجوده في قدرته.
والقاسم الثاني أن يقال: أحدهما يقدر على الجوهر والآخر على الأعراض وهما مختلفان، فلا تجب من القدرة على أحدهما القدرة على الآخر، وهذا محال، لأن العرض لا يستغني عن الجوهر، والجوهر لا يستغني عن العرض، فيكون فعل كل واحد منهما موقوفاً على الآخر، فكيف يخلقه وربما لا يساعده خالق الجوهر على خلق الجوهر عند إرادته لخلق العرض، فيبقى عاجزاً متحيراً والعاجز لا يكون قادراً. وكذلك خالق الجوهر إن أراد خلق الجوهر بما خالفه خالق العرض فيمتنع على الآخر خلق الجوهر فيؤدي ذلك إلى التمانع.
فإن قيل: مهما أراد واحد منهما خلق جوهر ساعده الآخر على العرض وكذا بالعكس. قلنا: هذه المساعدة هل هي واجبة لا يتصور في العقل خلافها فإن أوجبتموها فهو تحكم، بل هو أيضاً مبطل للقدرة، فإن خلق الجوهر من واحد كأنه يضطر الآخر إلى خلق العرض، وكذا بالعكس؛ فلا تكون له قدرة على الترك ولا تتحقق القدرة مع