وقد اندفع الإشكال بالكشف عن معنى نفي النهاية عن المقدورات، فالنظر في الطرف الثاني وهو المعلومات مستغنى عنه في دفع الالزام، فقد بانت صحة هذا الأصل بالمنهج الثالث من مناهج الأدلة المذكورة في التمهيد الرابع من الكتاب وعند هذا يعلم وجود الصانع إذ بان القياس الذي ذكرناه، وهو قولنا أن العالم حادث وكل حادث فله سبب فالعالم له سبب. فقد ثبتت هذه الدعوى بهذا المنهج، ولكن بعد لم يظهر لنا إلا موجود السبب، فأما كونه حادثاً أو قديماً وصفاً له فلم يظهر بعد فلنشتغل به.
الدعوى الثانية: ندعي أن السبب الذي أثبتناه لوجود العالم قديم فإنه لو كان حادثاً لافتقر إلى سبب آخر، وكذلك السبب الآخر ويتسلسل إما إلى غير نهاية وهو محال، وإما أن ينتهي إلى قديم لا محالة يقف عنده وهو الذي نطلبه ونسميه صانع العالم. ولا بد من الاعتراف به بالضرورة ولا نعني بقولنا قديم إلا أن وجوده غير مسبوق بعدم، فليس تحت لفظ القديم إلا إثبات موجود ونفي عدم سابق. فلا تظنن أن القدم معنى زائد على ذات القديم، فيلزمك أن تقول ذلك المعنى أيضاً قديم بقدم زائد عليه، ويتسلسل القوم إلى غير نهاية.
الدعوى الثالثة: ندعي أن صانع العالم مع كونه موجوداً لم يزل فهو باق لا يزال لأن ما ثبت قدمه استحال عدمه. وإنما قلنا ذلك لأنه لو العدم لافتقر عدمه إلى