فإن قيل: فلعلها انتقلت إليه من موضع آخر، فبم يعرف بطلان القول، بانتقال الأعراض؟ قلنا: قد ذكر في إبطال ذلك أدلة ضعيفة لا نطول الكتاب بنقلها ونقضها، ولكن الصحيح في الكشف عن بطلانه أن نبين أن تجويز ذلك لا يتسع له عقل من لم يذهل عن فهم حقيقة العرض وحقيقة الانتقال، ومن فهم حقيقة العرض تحقق استحالة الانتقال فيه. وبيانه أن الانتقال عبارة أخذت من انتقال الجوهر من حيز إلى حيز، وذلك يثبت في العقل بأن فهم الجوهر وفهم الحيز وفهم اختصاص الجوهر بالحيز زائد على ذات الجوهر، ثم علم أن العرض لا بد له من محل كما لا بد للجوهر من حيز، فتتخيل أن إضافة العرض إلى المحل كإضافة الجوهر إلى الحيز فيسبق منه إلى الوهم إمكان الانتقال عنه، كما في الجوهر، ولو كانت هذه المقايسة صحيحة لكان اختصاص العرض بالمحل كوناً زائداً على ذات العرض والمحل كما كان اختصاص الجوهر بالحيز كوناً زائداً على ذات الجوهر والحيز، ولصار يقوم بالعرض عرض، ثم يفتقر قيام العرض بالعرض إلى إختصاص آخر يزيد على القائم والمقوم به، وهكذا يتسلل ويؤدي إلى أن لا يوجد عرض واحد ما لم توجد أعراض لا نهاية لها، فلنبحث عن السبب الذي لأجله فرق بين اختصاص العرض بالمحل وبين اختصاص الجوهر بالحيز في كون أحد الاختصاصيين زائداً على ذات المختص ودون الآخر، فمنه يتبين الغلط في توهم الانتقال.
والسر فيه، أن المحل وإن كان لازماً للعرض كما أن الحيز لازم للجوهر، ولكن بين اللازمين فرق: إذ رب لازم ذاتي للشيء، ورب لازم ليس بذاتي للشيء، وأعني بالذاتي ما يجب ببطلانه بطلان الشيء، فإن بطل الوجود بطل به وجود الشيء، وإن بطل في العقل بطل وجود العلم به في العقل، والحيز ليس ذاتياً للجوهر فإنا نعلم الجسم والجوهر أولاً ثم ننظر بعد ذلك في الحيز، أهو أمر ثابت أم هو أمر موهوم ونتوصل إلى تحقيق ذلك بدليل وندرك الجسم بالحس في المشاهدة من غير دليل. فلذلك لم يكن الحيز المعين مثلاً لجسم زيد ذاتياً لزيد، ولم يلزم من فقد ذلك الحيز وتبدله بطلان جسم زيد، وليس كذلك طول زيد مثلاً لأنه عرض في زيد لا نعقله في