وهو العلم بأن الاثنين أكثر من الواحد وإلى العلم يحدث العالم وإن محدثه واحد، ثم يدرك أيضاً تفرقة بين آحاد المسائل بكثرة أدلتها وقلتها. فالتفاوت في طمأنينية النفس مشاهد لكل ناظر من باطنه، فإذا فسرت الزيادة به لم يمنعه أيضاً في هذا التصديق.
أما إذا أطلق بمعنى التصديق التقليدي فذلك لا سبيل إلى جحد التفاوت فيه؛ فإنا ندرك بالمشاهدة من حال اليهودي في تصميمه على عقده ومن حال النصراني والمسلم تفاوتاً، حتى أن الواحد منهم لا يؤثر في نفسه وحل عقد لمبه التهويلات والتخويفات ولا التحقيقات العلمية ولا التخيلات الإقناعية، والواحد منهم مع كونه جازماً في اعتقاده تكون نفسه أطوع لقبول اليقين، وذلك لأن الاعتقاد على القلب مثل عقدة ليس فيها انشراح وبرد يقين. والعقدة تختلف في شدتها وضعفها فلا ينكر هذا التفاوت منصف وإنما ينكره الذين سمعوا من العلوم والاعتقادات أساميها ولم يدركوا من أنفسهم ذوقها، ولم يلاحظوا اختلاف أحوالهم وأحوال غيرهم فيها.
وأما إذا أطلق بالمعنى الثالث وهو العمل مع التصديق، فلا يخفى بطرق التفاوت إلى نفس العمل، وهل يتطرق بسبب المواظبة على العمل تفاوت إلى نفس التصديق، هذا فيه نظر، وترك المداهنة في مثل هذا المقام أولى والحق أحق ما قيل. فأقول: إن المواظبة على الطاعات لها تأثير في تأكيد طمأنينة النفس إلى الاعتقاد التقليدي ورسوخه في النفس، وهذا أمر لا يعرفه إلا من سبر أحوال نفسه وراقبها في وقت المواظبة على الطاعة وفي وقت الفترة ولاحظ تفاوت الحال في باطنه، فإنه يزداد بسبب المواظبة على العمل أنسة لمعتقداته، ويتأكد به طمأنينته، حتى أن المعتقد الذي طالت منه المواظبة على العمل بموجب اعتقاده أعصا نفساً على المحاول تغييره وتشكيكه ممن لم تطل مواظبته، بل العادات تقضي بها، فإن من يعتقد الرحمة في قلبه على يتيم فإن أقدم على مسح رأسه وتفقد أمره صادف في قلبه عند ممارسة العمل بموجب الرحمة زيادة تأكيد في الرحمة، ومن يتواضع بقلبه لغيره فإذا عمل بموجبه ساجداً له أو مقبلاً يده ازداد التعظيم والتواضع في قلبه ولذلك تعبدنا بالمواظبة على أفعال هي مقتضى تعظيم القلب من الركوع والسجود ليزداد بسببها تعظيم القلوب، فهذه أمور يجحدها المتحذلقون في الكلام الذين أدركوا ترتيب العلم بسماع الألفاظ ولم يدركوها بذوق النظر. فهذه حقيقة المسألة، ومن هذا الخبر اختلافهم في معنى الرزق. وقول المعتزلة: إن ذلك مخصوص بما يملكه الإنسان حتى ألزموا أنه لا رزق لله تعال على البهائم، فربما قالوا هو مما لم يحرم تناوله، فقيل لهم فالظلمة ماتوا وقد عاشوا عمرهم لم يرزقوا، وقد قال أصحابنا إنه