وأما ما قضى العقل باستحالته فيجب فيه تأويل ما ورد السمع به ولا يتصور أن يشمل السمع على قاطع مخالف للمعقول، وظواهر أحاديث التشبيه أكثرها غير صحيحة، والصحيح منها ليس بقاطع بل هو قابل للتأويل، فإن توقف العقل في شيء من ذلك فلم يقض فيه باستحالة ولا جواز وجب التصديق أيضاً لأدلة السمع فيكفي في وجوب التصديق انفكاك العقل عن القضاء بالإحالة، وليس يشترط اشتماله على القضاء لتجويز، وبين الرتبتين فرق ربما يزل ذهن البليد حتى لا يدرك الفرق بين قول القائل: اعلم أن الأمر جائز، وبين قوله: لا أدري إنه محال أم جائز، وبينهما ما بين السماء والأرض، إذ الأول جائز على الله تعالى والثاني غير جائز، فإن الأول معرفة بالجواز والثاني عدم معرفة بالاحالة، ووجوب التصديق جائز في القسمين جميعاً فهذه هي المقدمة.
أما الحشر فيعنى به إعادة الخلق وقد دلت عليه القواطع الشرعية، وهو ممكن بدليل الابتداء. فإن الاعادة خلق ثان ولا فرق بينه وبين الابتداء وإنما يسمى إعادة بالاضافة إلى الابتداء السابق، والقادر على الانشاء والابتداء قادر على الاعادة وهو المعني بقوله: قل يحييها الذي أنشأها أول مرة فإن قيل فماذا تقولون: أتعدم الجواهر والأعراض ثم يعادان جميعاً، أو تعدم الأعراض دون الجواهر وإنما تعاد الأعراض؟ قلنا: كل ذلك ممكن وليس في الشرع دليل قاطع على تعيين أحد هذه الممكنات. وأحد الوجهين أن تنعدم الأعراض ويبقى جسم الانسان متصوراً بصورة التراب مثلاً، فتكون قد زالت منه الحياة واللون والرطوبة والتركيب والهيئة وجملة من الأعراض، ويكون معنى إعادتها أن تعاد إليها تلك الأعراض بعينها وتعاد إليها أمثالها، فإن العرض عندنا لا يبقى والحياة عرض والموجود عندنا في كل ساعة عرض آخر، والانسان هو ذلك الانسان باعتبار جسمه فإنه واحد لا باعتبار أعراضه، فإن كل عرض يتجدد هو غير الآخر، فليس من شرط الإعادة فرض إعادة الأعراض، وإنما ذكرنا هذا لمصير بعض الأصحاب إلى استحالة إعادة الأعراض، وذلك باطل، ولكن القول في إبطاله يطول ولا حاجة إليه في غرضنا هذا. والوجه الآخر أن تعدم الأجسام أيضاً ثم تعاد الأجسام بأن تخترع. مرة ثانية،