والجواب: إن الكذب مأمون عليه، فإنه إنما يكون في الكلام وكلام الله تعالى ليس بصوت ولا حرف حتى يتطرق إليه التلبيس بل هو معنى قائم بنفسه سبحانه، فكل ما يعلمه الإنسان يقوم بذاته خبر عن معلومه على وفق علمه ولا يتصور الكذب فيه، وكذلك في حق الله تعالى. وعلى الجملة: الكذب في كلام النفس محال وفي ذلك الأمن عما قالوه. وقد اتضح بهذا أن الفعل مهما علم أنه فعل الله تعالى وأنه خارج عن مقدور البشر واقترن بدعوى النبوة حصل العلم الضروري بالصدق وكان الشك من حيث الشك في أنه مقدور البشر أم لا، فأما بعد معرفته كونه من فعل الله تعالى لا يبقى للشك مجال أصلاً البتة. فإن قيل فهل تجوزون الكرامات؟ قلنا: اختلف الناس فيه، والحق ذلك جائز فإنه يرجع إلى خرق الله تعالى العادة بدعاء إنسان أو عند حاجته وذلك مما لا يستحيل في نفسه لأنه ممكن، ولا يؤدي إلى محال آخر، فإنه لا يؤدي إلى بطلان المعجزة لأن الكرامة عبارة عما يظهر من غير اقتران التحدي به، فإن كان مع التحدي فإنا نسميه معجزة ويدل بالضرورة على صدق المتحدي؛ وإن لم تكن دعوى فقد يجوز ظهور ذلك على يد فاسق لأنه مقدور في نفسه؛ فإن قيل: فهل من المقدور إظهار معجزة على يد كاذب؟ قلنا: المعجزة مقرونة بالتحدي منه سبحانه نازلة منزلة قوله صدقت وأنت رسول، وتصديق الكاذب محال لذاته وكل من قال له أنت رسولي صار رسولاً وخرج عن كونه كاذباً، فالجمع بين كونه كاذباً وبين ما ينزل منزلة قوله أنت رسولي محال لأن معنى كونه كاذباً أنه ما قيل له أنت رسولي، ومعنى المعجزة أنه قيل له أنت رسولي؛ فإن فعل الملك على ما ضربنا من المثال كقوله أنت رسولي بالضرورة، فاستبان أن هذا غير مقدور لأنه محال والمحال لا قدرة عليه. فهذا تمام هذا القطب ولنشرع في إثبات نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وإثبات ما اخبر هو عنه والله أعلم.