سنة الحسنى فيها إلى يوم القيامة، وهي التي شكر النعمة التي من أرفعها بر الوالدين، وكسر الشهوة التي من أشدها قذع النفس عن الجماع بعد جلوس الرجل من المنزلة ذلك المجلس، والأخرى أداء الأمانة لمن لا يخاف ولا يرجي.
فكانت هذه الأصول الثلاثة إذا نظر فيها حق النظر، وجدت مشتملة على ثغور العبادة لله تعالى؛ فلذلك لما اجتمعت من الثلاثة في حال واحدة، ودعوا (69/أ) بها دعوة رجل واحد، رفع الله بها الصخرة الهابطة من الجبل، خارًقا سبحانه وتعالى العادة في مثلها، واستمر ذلك حديًثا تكلم به محمد صلى الله عليه وسلم، ورواه عنه الثقات ليعمل به لا ليتخد سمرًا فقط، ومما يحض على أن لا يستطرح الإنسان عند انقطاع حيلته بنزول البلاء واشتداده بل يفزع إلى الدعاء.
فإنه كنت مرة في جوف الليل نائمًا في زمان مر أخال أنه في أول نصف الليل الثاني، فأيقظني الله سبحانه وتعالى وأوقع في نفسي أن الشيخ محمد ابن يحيى- رحمه الله- في مثل هذه الليلة الباردة مع قلة كسوته يخاف عليه من أذية البرد فناديت غلامًا لنا اسمه كان (يحيى) بيت في الدار عندي. وقلت له: خذ في شيء نارًا، وأقصد به إلى بيت الشيخ محمد بن يحيى فأخذ مجمرة وملأها نارًا من تنور هناك، وذهب بها إليه، فلما كان بعد ذلك بيوم أو يومين؛ وقد جلسنا في المسجد فقال الشيخ محمد بن يحيى: إني كنت قد غشيث أهلي ثم اغتسلت في الليل بالماء البارد فأصابتني وإياها ما تخيلت أن الموت قد دنا أو نحو ذلك، ثم قلت لنفسي: والله لا أستطرح هكذا بل أدعو الله سبحانه وتعالى قال: فمددت يدي ودعوت الله بأن يعيننا مما نحن فيه، فإذا الباب يدق، وإذا قد جاء (يحيى) الغلام بمجمرة نار من عندك، فلما