أهل النار. فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها]
* قوله: (إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يومًا) دليل على أن الطبيعة لا تفعل ذلك لأنه لو كانت الطبيعة من شأنها أن تولد النطفة كيف كانت تستحيل بنفسها فتصير علقة، وإن كانت الطبيعة هي التي من شأنها أن تجعلها علقة فكيف تصير مضغة في مقر واحد، وهكذا حتى تصير عظامًا وهكذا إلى حين تمامها.
* ثم هذا الحديث يدل على وجوب الإيمان أن كل نسمة توجد إلى يوم القيامة قد سبق في علم الله ما يكون من رزقها وأجلها وسعادتها وشقائها. وهذا علم ينفرد الله عز وجل به، فله الأمر من قبل ومن بعد.
* قال أحمد بن حنبل -رحمه الله- لما سمع هذا الحديث قال: هذا الحديث ينبغي أن يكون أشد شيء في الحث (131/ ب) على زيادة العمل.
ووفق ذلك فإنه حيث كان الأمر قد فرغ منه فإنه لا يعمل إلا من قد سبق له التوفيق فهو يعان عليه ويساعد فيه، وهو الأمارة على أن الكتاب الذي سبق كان مقتضيًا ذلك، إلا أنه مع ذلك فإنه لا ينبغي أن يركن الإنسان إلى عمل ولا يعول على عبادة، فإن الله سبحانه وتعالى إذا اطردت الأسباب خرقها في نوادر، ليتبين بذلك أنه لا تجوز عبادة الأسباب ولكن يعبد الله المسبب؛ فلهذا قال: (فيبقى بينه وبين الجنة أو بين النار مقدار ذراع) فهذا ينبغي أن يتداوى به في نفي العجب عن العاملين لا ترك العمل الصالح، وفي الحذر من القنوط من رحمة الله تعالى لا في الزيادة من الذنوب إزماعًا على الهلكة.