وأن الله سبحانه وتعالى أرسل محمدًا - صلى الله عليه وسلم - هاديًا لخلق لمصالحهم، ومنبهًا على مكائد شيطانهم، وكان من ذلك أن الإنسان عند نومه إذا أوى إلى مضجعه، وعقد الشيطان على رقبته ثلاث عقد، ثم فسرها النبي - صلى الله عليه وسلم - وبينها، وأنه يأتي بها الآدمي على جهة التنصح، وأنه يوهمه بطول الليل عليه ليسرق منه الزمان الذي يهب فيه لتهجده؛ فإنه لو جاء مجاهرًا بالمكر وآمرًا بترك التهجد لم يكن يقبل منه؛ لأنه كان يبدو له في صورة لا تخفى عليه أنه شيطان لدفعه عن الخير بالكلية، ولكنه لما جاءه يذكر يذكر بطول الليل عليه ونصحه من جهة الرفق ببدنه بقوله: (عليك ليل طويل) ليحظى منه إما بتفويته الأصل التهجد، أو قريبًا من الفجر؛ ليدخله فيه في وقت ضيق فيفوته التدبير بقراءته وأذكار صلواته الذي يتمكن منه في سعة الوقت عليه، فكان عقده على القافية، وهي ما فسره أبو عبيد أن قافية الرأس مؤخره، أي: فيأتيه من ورائه.
وإذا استيقظ وذكر الله انحلت عقدة، وذلك أن ذكر الله عز وجل يبعده، فتنحل عقدة من عقده، وهي قربه منه، ثم إذا توضأ وتمضمض ويستنشر فغسل لموضع حبو منه على خياشيمه، ثم أزال الحدث عنه انحلت العقدة الثانية، فتوجه بعضده إلى العبادة، فإذا صلى انحلت العقد كلها.
* وهذا فإنما يفعله -قاتله الله -مع أهل قيام الليل وذوي التهجد، فكيف بالغافلين!
* فأما قوله: (فأصبح نشيطًا طيب النفس)، فإن المتهجد إذا قام من جوف الليل فيما بعد (82/ أ) نصف الليل إلى الصلاة، وكان وضوؤه وتكبيره