* وفيه أيضًا دليل على توفيق هذا المتصدق وحسن أدبه، فإنه لما تصدق يريد وجه الله فوقعت صدقته (75/ أ) على سارق وزانية وغني، وتحدث الناس بذلك، كان أول ما جرى على لسانه حمد الله تعالى، على سارق وزانية وغني.
* وأما حمده في هذه المواطن فلا أراه إلا أنه قد كان من العلماء بالله الذين يحسنون التفويض إلى الله سبحانه، ويريضون بما قدر، فلذلك ما كشف الله له عن عواقب الأمور الثلاثة، عن كثب واتم بأن أتي؛ فقيل له: أما السارق، فلعله أن يستعف عن سرقته؛ فذلك كالتعريف له وجه الحكمة في وضع صدقته على السارق؛ فيجتمع في صدقتك عليه بين أن يحفظه به من أن يأخذ مال غيره، ويحفظ بصدقتك مال غيره أن يأخذه، ويحفظ به جوارحه وأطرافه من حدود الله تعالى، ويعرفه أن في عباد الله تعالى من يتصدق، ليلاً سرًا على من لا يعرفه، فيكون بمظنة أن لا يشكره عليه، ولا يدري من أي يد وصل إليه الشيء، ولا يرى وجهه ويعرفه، فيثنى عليه فيكون ذلك داعية إلى عظة نافعة للآخذ، وصدقة عليه بما يغنيه عن أن يسرق مال غيره، وصدقة على صاحب الشيء الذي كان يعرضه السرق لولا استغناء السارق بالصدقة عنه، فتنوعت أنواعًا، وتوجهت وجوهًا؛ حيث كان الإخلاص مراده، وتفويضه إلى الله تعالى في ظاهر الحال، وحمده لله سبحانه على ذلك.
* وهكذا الزانية؛ فإنه لما تصدق عليها أعفها عن مواقعة الحرام التي لم تكن تواقع الفاحشة فيه إلا بأجر يأتيها معها، فإن الزنا لا يتصور إلا من اثنين، فكان ذلك بالغًا في الفضيلة لإعفاف الزانية والزاني بها، فوق ما في السارق وبمقدار تفاوت ما بين الحدين، ويعلم الله عز وجل السارق والزانية على ما كان من