السؤال، لكان ذلك مما يناسب كرم الرب جل جلاله، إذ ليس عطاء الله سبحانه على مقدار سائله؛ ولكنه بحسب جود المعطي.
وليعزم في سؤاله؛ فإن كرم الله متسع لذلك وأمثاله، ومتى علقه بالمشيئة استبدل بذلك منه، على أنه لم يعرف الله حق معرفته، ويدل على ما قلناه قوله: فإنه لا مكره له؛ لأنه لو لم يشأ لم يشرع الدعاء، ولم يندب الخلق إلى الطلب، فلما شرع الدعاء، وندب إليه، واستدعى (71/ ب) من الخلق أن يمدوا أيديهم إلى قضاء، وعلمنا أنه قد شاء الإجابة.
واعلم أنه شرع ذلك قبل أن يسأله السائلون عن غير إكراه، إذ الخلق كلهم دون أن يتعرضوا لنيل شيء من فضله إلا عن خضوع وسؤال وطلب.
ويدل على ما قلنا قوله: (وليعظم الرغبة) أي: لا يقتصر، فإن أحد ملوك هذه الدنيا لو قد تعرض له سائل فتوصل إلى لقائه فلما واجهه قال له: سلني، فلما سأله، فلسًا من نحاس لاستهجن ذلك وخاطبته العقول بألسنة الأحوال، يا هذا: تسأل من هذا الملك الواجد، وقد قال لك: اطلب مني، ودعاك إلى سؤاله، هذا المقدار اللطيف؛ لقد أفصحت بمسألتك هذا عن تبخيل هذا الملك أو اختلال عقلك.
فجميع الدنيا، وأضعافها، وما يعطيه الله في الجنة لعبده على سعتها، وكثرة العطاء، وإذا قيس الكثير منه إلى ما يجود به ذلك إلى الملك من أهل الدنيا من الفلس النحاس، كان الفلس في حال ذلك الملك مؤثرًا، وفي جوده معتبرًا، وجميع الدنيا، وسائر عطايا الجنة غير مؤثر فيما عند الله عز وجل ولا في عطائه.