تركهم، كان احتمال مداراة الخلق، الصبر على تباين أخلاقهم، وعسر أخلاقهم، وبعد من يبعد عن الحق منهم، من جملة مقامات الجهاد في سبيل الله، فلأجل ذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (المؤمن الذي يخالط الناس، ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس، ولا يصبر على أذاهم)؛ فكان ذلك من الإيمان.

* الخصلة الثالثة والستون: أن يرى الناس حمقى في دينهم.

ولما كان ما تناله استطاعة الخلق، وتبلغه مقادير همتهم دون ما يستحق الله تعالى عليهم وعندهم، فإنهم خلقه وملكه، وقد جمع بين ضروب الإحسان إليهم كما جمع بين ضروب الحلم عليهم، والأناة بهم، واللطف لهم، حتى إن الواحد منهم ليتجرم ويتنطع في الإساءة لربه إلى ما لا يتنطع فيه على أبيه، ولا على ولده، ثم إنهم بعد ذلك يدلون إدلال المحسنين على ما فيهم من الإساءة، وينبسطون تبسيط المجيدين على ما فيهم من مواصلة التقصير، يستكثرون لربهم قليل طاعتهم، ويستقلون لأنفسهم (96/ أ) كبير نعمه، يغاضبون ربهم إن أخر إجابتهم لما دعوه فيما يضرهم لو أجابهم إليه، ويريد كل منهم ألا يتحرك في الوجود حركة إلا على حسب اختياره، ولا أن تسكن ساكنة إلا بمقتضى إيثاره، فإذا كان العبدان منهم، كل منهم يريد ضد ما يريده لصاحبه، فإذا أجرى الله سبحانه الحال في اقتراحهما رويدًا بهما، ورفقًا لهما، رأيت كلًا منهما يحمله جهله على الاشتطاط والقدح في حسن تدبير رب العالمين، حتى يظهر على جملته وأجزائه، وربما أداه إلى الارتياب، فالمؤمن يراهم من هذه الطريق كلهم حمقى في دينهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015