ولما علمت فَاطِمَةُ- عَلَيْهَا السَّلَام- قالت: وَا كَرْبَ أَبَاهُ، فَقَالَ لَهَا: "لَيْسَ عَلَى أَبِيك كَرْب بَعْدَ الْيَوْمِ"، فَلَمَّا مَاتَ، قَالَتْ: يَا أَبَتَاهُ، أَجَابَ رَبًّا دَعَاهُ، يَا أَبَتَاهْ مَنْ جَنَّةُ الْفِردَوْسِ مَأْوَاهْ، يَا أَبَتَاهْ إلى جِبْرِيلَ نَنْعَاهْ، فَلَمَّا دُفِنَ قَالَتْ فَاطِمَةُ- عَلَيهَا السَّلَام-: يَا أَنَسُ أَطَابَتْ أَنْفُسُكُم أَنْ تَحْثُوا عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - التُّرَابَ (?).
لما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اضطرب المسلمون فمنهم من دُهش فخولط، ومنهم من أُقعد فلم يطق القيام ومنهم من اعتقل لسانه فلم يطق الكلام ومنهم من أنكر موته بالكلية وقال: إنما بُعث إليه (?).
وأقبل أبو بكر على فرس من مسكنه بالسنُّح حتى نزل، فدخل المسجد، فلم يكلم الناس، حتى دخل على عائشة فتيمم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مغشى بثوب حبرة، فكشف عن وجهه، ثم أكب عليه، فقبله وبكى، ثم قال: بأبي أنت وأمي، والله لا يجمع الله عليك موتتين، أما الموتة التي كُتبت عليك فَقَدْ مُتَّها.
ثم خَرَجَ أبو بكر وَعُمَرُ يُكَلِّمُ النَّاسَ، فَقَالَ: اجْلِسْ يَا عُمَرُ، فَأَبَى عُمَرُ أَنْ يَجْلِسَ، فَأَقْبَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَتَرَكُوا عُمَرَ، فَقَالَ أبو بَكْرٍ: أَمَّا بَعْدُ، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعبد مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ مِنْكُم يَعبد الله فَإِنَّ الله حَىٌّ لَا يَمُوتُ، قَالَ الله {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144)} [آل عمران: 144]، وَقَالَ ابن عباس: وَاللهِ لَكَأَنَّ النَّاسَ لَم يَعْلَمُوا أَنَّ الله أَنْزَلَ هَذِهِ الْاَيَةَ حَتَّى تَلَاهَا أبو بَكْرٍ، فَتَلَقَّاهَا مِنْهُ النَّاسُ كُلُّهُمْ، فَمَا أَسْمَعُ بَشرًا مِنْ