وقد كان موضع عكاظ في الأصل مكاناً مقدساً، كما جاء ذلك عن أهل الأخبار فقد ذكروا أن العرب كانت تطوف بصخور هناك ويحجون إليها وينحرون إلى تلك الأصنام والأنصاب حتى تلطخت تلك الأصنام والأرض التي تحيط بها بدماء البدن 1. من هنا يتضح أن سبب تعظيم هذا الموضع لما له من مكانة دينية في نفوس العرب لوجود هذه الأصنام فيه.
وبالتتبع لأماكن إقامة هذه الأسواق نجد أنها في الأصل مواضع مقدسة لوجود أصنام فيها تعبدها القبائل، وتأتي إلى التقرب إليها في مواسم معينة، وهي مواسم حج تلك الأصنام فتتحول تلك المواسم إلى أسواق للبيع والشراء والتبادل والتفاخر، فهي بهذا تصبح أيام عبادة وتجارة وأيام فرح وسرور.
فمثلاً: نجد أن بني كلب كانوا يفدون إلى دومة الجندل للتقرب إلى صنم "ود" ومع ذلك يقام سوق في دومة الجندل.
وحقيقة هذه الأسواق والمواسم أنها جمعت بين الأعياد المكانية والأعياد الزمانية، فهي أعياد زمانية من ناحية تحديد قيام السوق والموسم، ومكانية من ناحية الموضع الذي يقام فيه السوق، وما يشتمل عليه من أصنام وأوثان وما يفعل حوله من التقرب بالذبح والنذر وغير ذلك من أمور الوثنية.
وقد جاء الإسلام وأبطل ذلك كله كما قال تعالى: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} 2. وعوض عنها الأعياد المشروعة المكانية والزمانية المتضمنة لا خلاص العبادة لله وحده لا شريك له، والتي سيأتي بيانها إن شاء الله تعالى.