إِن أقنوم الإبن اتَّحد بناسوت الْمَسِيح دون أقنوم الآب وروح الْقُدس فمفهوم هَذَا أَن الإبن اتَّحد بناسوته وبقى جَوْهَر الآب وروح الْقُدس لم يتحدا بِهِ وَهَذَا تَصْرِيح بالمباينة والمفارقة فَإِن بعض هَذِه الثَّلَاثَة وَجب لَهُ أَمر دون صَاحِبيهِ فَلَو لم يباينهما وَلم يكن غَيرهمَا لما وَجب لَهُ من الحكم مَا لم يجب لَهما وَلَا تنَاقض فَظهر من هَذَا تناقضهم وَقد كُنَّا أظهرنَا إضطرابهم فِي هَذَا فِي بَاب الأقانيم
هَذِه الأقانيم إِمَّا أَن تكون مباينة للجوهر مُفَارقَة أَو لَا تكون كَذَلِك
فَإِن كَانَت مباينة لزم أَن تكون زَائِدَة عَلَيْهِ وَإِن كَانَت زَائِدَة عَلَيْهِ لزم أَن يكون الْإِلَه متركبا من أُمُور كَمَا مر وَقد أَبَيْتُم ذَلِك وَهُوَ محَال ويلزمكم أَيْضا إخْرَاجهَا عَن كَونهَا أقانيم ويلزمكم رفع التَّوْحِيد إِلَى محالات كَثِيرَة عنْدكُمْ وَإِن كَانَت غير مباينة لم يَصح إتحاد بَعْضهَا دون بعض بل لَو اتَّحد بَعْضهَا لاتحد جَمِيعهَا فَيلْزم على هَذَا اتِّحَاد الْعلم وَالْقُدْرَة والإرادة والوجود وَهَذَا بَين لَا خَفَاء بِهِ
نقُول لَهُم لأي شَيْء قُلْتُمْ أَن الَّذِي اتَّحد بناسوت الْمَسِيح إِنَّمَا هُوَ الإبن فَقَط ولأي شَيْء لم تَقولُوا أَنه اتَّحد بِهِ الآب وروح الْقُدس وَلَو قُلْتُمْ ذَلِك لَكَانَ أجْرى على مَا أصلتم من أَن الأقانيم لَا متباينة وَلَا مفترقة
فَإِن قَالُوا إِنَّمَا قُلْنَا بإتحاد الإبن لِأَن عِيسَى إِنَّمَا أرْسلهُ الله ليعلم النَّاس شريعتهم ويخبرهم بالمغيبات عَنْهُم ويعظهم وَذَلِكَ كُله إِنَّمَا يَصح بِالْعلمِ
فَنَقُول لَهُم هَذَا الَّذِي ذكرْتُمْ مُسلم لكم جدلا لَكِن لم قُلْتُمْ أَنه إِنَّمَا اتَّخذهُ الله لهَذَا فَقَط وَإِنَّمَا هُوَ اتَّخذهُ لهَذَا ولأمور أخر
ليعبده
ليبرئ مرضى كَانُوا قد أعيوا الْأَطِبَّاء وَأَرَادَ الله تَعَالَى شفاءهم على يَدَيْهِ
وَمِنْهَا
أَنه أَرَادَ إحْيَاء موتى على يَدَيْهِ
فَتحصل من هَذَا أَمْرَانِ أَحدهمَا أَن هَذِه معجزات تدل على صدقه وَالثَّانِي أَن من أَبرَأَهُ أَفَاق من مَرضه وجذامه وجنونه