فِي حِكَايَة كَلَام الْمُتَقَدِّمين
لتعلم أَيهَا النَّاظر فِي هَذَا الْبَاب أَن النَّصَارَى قد كثر اخْتلَافهمْ وَعظم خبطهم وإرتباكهم فَلَا هم يستقرون فِيهِ على قدم وَلَا يَمْشُونَ مِنْهُ على طَرِيق أُمَم فقليل مِنْهُم من نفى الإتحاد والحلول وَلم يقل بِشَيْء من ذَلِك وهم طَائِفَة مُتَقَدّمَة يعْرفُونَ ب الأرؤسية وَلَا يكَاد مَذْهَبهم يُخَالف مَذْهَب الْمُسلمين إِلَّا فِي إنكارهم نبوة نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وجمهورهم على القَوْل بِهِ وإثباته
ثمَّ المثبتون لَهُ مِنْهُم من قَالَ لَا يُقَال فِيهِ ب كَيفَ وَلَا يسْأَل عَنهُ بِحرف وَمِنْهُم من شرع فِي بَيَان كيفيته وَتَفْسِير ماهيته فَصَارَت اليعقوبية والنسطورية إِلَى أَن الْكَلِمَة خالطت جَسَد الْمَسِيح ومازجته كَمَا يمازج الْخمر اللَّبن والى نَحْو هَذَا ذهب الرّوم وزادو عَلَيْهِم فَقَالُوا اخْتلطت الْكَلِمَة بالمسيح فصارا شَيْئا وَاحِدًا
وَلَقَد حكى من كَلَام اليعقوبية مَا يدل على توقحهم وجرأتهم على الله تَعَالَى وَذَلِكَ أَنهم قَالُوا إِن الله نزل فَدخل فِي بطن مَرْيَم فَاتخذ من لَحمهَا جسدا فَصَارَ الله مَعَ الْجَسَد نفسا وَاحِدًا
وَرُبمَا أطلق بَعضهم القَوْل بِأَن الله اتخذ ذَلِك اللَّحْم وَالدَّم فزاده فِي نَفسه فَصَارَ ذَلِك اللَّحْم الله وَصَارَ مُعظم اليعاقبة إِلَى أَن الْكَلِمَة انقلبت لَحْمًا ودما
وَأما النسطورية فَقَالُوا لَيست تِلْكَ النَّفس هِيَ الله وَإِنَّمَا هِيَ بعضه وَهَذَا هُوَ الْبُهْتَان الَّذِي يعلم بُطْلَانه بِالضَّرُورَةِ كل إِنْسَان
وَصَارَت طَائِفَة من النَّصَارَى إِلَى أَن الْكَلِمَة حلت جَسَد الْمَسِيح كَمَا يحل الْعرض مَحَله وَصَارَ أخلاط من النَّصَارَى إِلَى أَن المُرَاد