وَإِذا قَامَ بالجماد صَوت يفهم مِنْهُ أَنا لله لَا إِلَه إِلَّا أَنا فَيمكن أَن يعقل هُنَا غالط مثلك أَن الْمُتَكَلّم بذلك الصَّوْت أما غير الجماد لِاسْتِحَالَة الإلهية عَن الجماد وَأما حَيَوَان مُمكن أَن يتَوَهَّم فِيهِ أَنه إِلَه كَمَا توهمتم أَنْتُم فِي ذَلِك وَلَا يَصح ذَلِك فِي الله لِأَنَّهُ إِذا قَالَ لَا إِلَه إِلَّا أَنا فَعَن نَفسه يخبر وَإِلَيْهِ يرجع حكم خَبره بِخِلَاف الجماد فَكيف قست أحد الواسطين على الآخر وَلَيْسَ فِي مَعْنَاهُ وَلَو أردنَا تَطْوِيل الْكَلَام لذكرنا فروقا أخر تمنع مقايسة النَّار بالبشر
وَأما قَوْلك إِن عِيسَى عَليّ السَّلَام قَالَ أَنا الله وَأَن الحواريين صدقوه فِي ذَلِك فكذب صراح وافك بواح فَإِنَّهُ لم يرووا عَنهُ عَلَيْهِ السَّلَام فِي ذَلِك أَقْوَال بِوَجْه صَحِيح وَلَا بِنَصّ صَرِيح بل الَّذِي صَحَّ مِنْهُ وَنقل بالتواتر عَنهُ أَنه كَانَ يَقُول اعبدوا الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وأناجيلكم تشهد بذلك عَلَيْكُم
ثمَّ نقُول لَو ثَبت أَن عِيسَى قَالَ ذَلِك اللَّفْظ بِعَيْنِه فَمن الْمُمكن سوغ حمله على محمل قويم فِي الْعُقُول غير مُخَالف للمنقول وَهُوَ أَن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ محبا لله تَعَالَى مشتهرا فِي محبته وَمن عَادَة المشغوف بِشَيْء المشتهر بِهِ أَن يستحضر ذَلِك الشَّيْء المشتهر فِيهِ فِي قلب ويجعله نصب عَيْنَيْهِ حَتَّى لَا يُلَاحظ شَيْئا سواهُ بل رُبمَا ينتهى ذَلِك بِهِ إِلَى أَن يذهل عَن نَفسه ويغيب عَن حسه فَفِي مثل تِلْكَ الْحَالة يظنّ المشتهر أَن الشَّيْء الَّذِي شغف بِهِ هُوَ هُوَ حَتَّى يَقُول ... أَنا من أَهْوى
وَمن أَهْوى أَنا ...
وَكَذَلِكَ قَالَ الآخر ... فَكل شَيْء رَآهُ ظَنّه قدحا
وكل شخص رَآهُ ظَنّه الساقي ...
وَكَذَلِكَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام لما انْكَشَفَ لَهُ من سُلْطَان الْحَقِيقَة أَمر مَا غَابَ عَن نَفسه وفنى عَن حسه لما شَاهد من جمال الربوبية والحضرة الإلهية فذهل عَن كل مَا سوى الله فَقَالَ أَنا الله وَهَذِه أُمُور عَجِيبَة وأذواق غَرِيبَة لَا يُدْرِكهَا إِلَّا من اخْتَارَهُ الله من خلقه واصطفاه بِحَضْرَتِهِ
ف لَيْسَ بعشك فادرج