وَنحن نبين استحالته مستعينين بِاللَّه ومتوكلين عَلَيْهِ فَنَقُول

من المتقرر الثَّابِت عِنْد المشرعين كلهم أَن الله تَعَالَى مُتَكَلم وَمن لم يعول فِي ذَلِك على مَا أخْبرت بِهِ الرُّسُل وَلَا وَافق على الشَّرَائِع أُقِيمَت عَلَيْهِ القواطع الَّتِي لَا يردهَا إِلَّا معاند وَلَيْسَ هَذَا مَوضِع ذكرهَا فَإِذا تقرر ذَلِك فَنَقُول

إِمَّا أَن يكون متكلما بِصَوْت أَو بِغَيْر صَوت فَإِن كَانَ متكلما بِصَوْت فَذَلِك الصَّوْت إِمَّا أَن يكون قَائِما بِهِ أَو قَائِما بِغَيْرِهِ أولاقائما بِهِ وَلَا قَائِما بِغَيْرِهِ

محَال أَن يكون قَائِما بِهِ فَإِن الصَّوْت لَا يكون مُفِيدا حَتَّى يتقطع بالحروف وَتلك التقطيعات لَا بُد أَن تكون حَادِثَة فَيلْزم عَلَيْهِ أَن يكون محلا للحوادث وَإِذا كَانَ محلا للحوادث لم يخل عَنْهَا وَإِذا لم يخل عَنْهَا كَانَ حَادِثا مثلهَا على مَا تحقق فِي مَوْضِعه وَذَلِكَ كُله محَال على الله تَعَالَى وَإِن قَامَ بِغَيْرِهِ فَذَلِك الْغَيْر يكون الْمُتَكَلّم بِهِ سَوَاء كَانَ ذَلِك الْمحل جمادا أَو حَيَوَانا فَإِن قُلْنَا إِنَّه يجوز قِيَامه بجسم جماد وَإِن جَازَ أَن قوم الصَّوْت بِمحل وَيكون الْبَارِي تبَارك وَتَعَالَى متكلما بِهِ جَازَ أَن تقوم صفة بِمحل وتوجب حكمهَا لمحل آخر فَيلْزم على ذَلِك أَن تقوم حَرَكَة بجسم يكون جسما آخر متحركا بهَا وَيقوم بِمحل لون وَيكون مَحل آخر متصفا بِهِ وَذَلِكَ كُله محَال بِالضَّرُورَةِ وَيلْزم عَلَيْهِ أَن يكون الْبَارِي تَعَالَى متكلما بِمَا يقوم بِنَا من كلامنا الى غير ذَلِك من المحالات وباطل أَن يُقَال لايقوم بِهِ وَلَا بِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ يكون قَائِما بِنَفسِهِ وَخرج عَن كَونه صفة زَائِدَة على النَّفس وَإِذا بطلت هَذِه الثَّلَاثَة الْأَقْسَام وَهُوَ مَا قدمنَا ذكره وَمن أَرَادَ مزيدا فليرحل ويرتد للحق بعد أَن يبْحَث وَيسْأل

وَإِذا ثبتَتْ هَذِه الْقَاعِدَة الْوَثِيقَة الْعَظِيمَة الأنيقة الَّتِي لَا يعرف قدرهَا وَلَا عظم خطرها إِلَّا من نور الله بِنور الْيَقِين بصيرته وَأصْلح بجزيل التَّوْفِيق سَرِيرَته بَطل مَا أملتموه وَلم يلْزم شَيْء مِمَّا ألزمتموه وَلَا تمّ لكم شَيْء مِمَّا أردتموه

فَإِن جملَة مَا تُرِيدُ أَن تَقوله فِي هَذَا الْفَصْل أَن الله تَعَالَى مُتَكَلم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015