أما قَوْلك فِي جَوَاب من سَأَلَك عَن الإتحاد وَحَقِيقَته نقُول بذلك تقليدا للإنجيل والنبيين ورسل رب الْعَالمين فَكَلَام غير متين لَا يصدر مثله عَن عقل رصين
لتعلم يَا هَذَا أَن الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام صَادِقُونَ مصدقون والصادق مَا يخبر بِصِحَّة مَا يعلم بالعقول فَسَاده وإستحالته فَإِن الصَّادِق لَا يُنَاقض قَوْله دَلِيل الْعقل وَلَا يُعَارضهُ بل يصدقهُ وَيشْهد بِصِحَّتِهِ فَلَو فَرضنَا شخصا جَاءَ بِأَمْر معجز فِيمَا يرى وَادّعى أَنه أرْسلهُ الله لنا ليخبرنا أَن الثَّلَاثَة وَاحِد من حَيْثُ هِيَ ثَلَاثَة وَأَن الْوَاحِد ثَلَاثَة من حَيْثُ أَنه وَاحِد وَفهم ذَلِك مِنْهُ بِنَصّ لَا يقبل التَّأْوِيل لبادر الْعُقَلَاء إِلَى تَكْذِيبه ولعلموا أَن مَا أظهره على جِهَة المعجزة إِنَّمَا هِيَ حِيلَة ومخرقة لِأَن المعجزة إِنَّمَا هِيَ دَلِيل الصدْق وَلَا يقلب دَلِيل الصدْق دَلِيل الْكَذِب
وَكَذَلِكَ لَو قَالَ إِن الضدين يَجْتَمِعَانِ بعد مُرَاعَاة شُرُوط التضاد وَكَذَلِكَ لَو أخبر أَن الله تَعَالَى يقلب جوهرا عرضا ولونا وطعما إِلَى غير ذَلِك من أَنْوَاع المحالات وَمن هَذَا الْقَبِيل هُوَ مَا ادعيتم من الإتحاد وسيتبين إِن شَاءَ الله
وَبعد هَذَا فَلَو فَرضنَا نَبينَا علمنَا صدقه على الْقطع تكلم بِشَيْء من هَذَا فَيكون ذَلِك الْكَلَام لَا يدل على ذَلِك الْمَعْنى دلَالَة قَاطِعَة بل دلَالَة مُحْتَملَة أَو ظَاهِرَة فسبيلنا أَن نتأول إِن وجدنَا وَجها للتأويل أَو نتوقف على تَأْوِيله إِن لم نجد لَهُ محملًا فِي التَّأْوِيل مَعَ أَن الْعقل يعلم اسْتِحَالَة الظَّاهِر ويكل معرفَة بَاطِنه إِلَى الله تَعَالَى فَإِن الشَّرَائِع وَإِن لم تأت بِمَا يُخَالف الْعُقُول فقد تَأتي مِمَّا تقصر الْعُقُول عَن دركه وَفرق بَين يُعلمهُ الْعُقَلَاء بَين الْعلم بالإستحالة وَبَين عدم الْعلم بالإستحالة فَإِن عدم الْعلم بالإستحالة لَا يلْزم مِنْهُ نفى الْجَوَاز وَلَا إثْبَاته ولانفى الْوُجُوب وَلَا إثْبَاته وَهَذَا مِمَّا لَا خَفَاء بِهِ عِنْد الْعُقَلَاء
وَأما قَوْلك وعَلى الْجَائِز فِي الْعُقُول فَيَنْبَغِي لنا أَن نَسْأَلك هُنَا أسئلة تبين أَنَّك بِمَا ادعيت جهول فَنَقُول لَك مَا حد الْعقل أَولا وَمَا حد الْجَائِز الْعقلِيّ وَمَا حَقِيقَته وَكم أقسامه وَمَا حد الْوَاجِب