وَكَذَلِكَ قَوْلنَا فِي الْعلم والإرادة وقولك يرحم وَيغْفر وَيحكم لَيْسَ مثل قَوْلنَا يقدر وَيعلم وَيُرِيد لِأَنَّك لَا تَقول كَانَ أبدا يرحم وَكَانَ أبدا يخلق وَلَا بُد من أَن تَقول كَانَ أبدا يقدر وَكَانَ أبدا يعلم وَكَانَ أبدا يُرِيد
ثمَّ قَالَ بعد كَلَامه مَعَ الفلاسفة فَنحْن مَا لم نصفه بِالْعلمِ والإرادة لم نصفه بمدبر وَلَا حَيّ
ثمَّ قَالَ إِن قُلْنَا عَرفْنَاهُ بوحدانيته وعلمناه بِذَاتِهِ من غير نَظرنَا إِلَى فعله الدَّال على قدرته وَعلمه وإرادته فقد كذبنَا لِأَنَّهُ لَا يقدر أحد أَن يَقُول أَنه وَقع على مَعْرفَته إِلَّا بِمَا نظر إِلَيْهِ من خلقه وتفكر فِيهِ من حكمه وبمعرفته بِنَفسِهِ وكل هَذَا إِقْرَار بِالثَّلَاثَةِ الأقانيم الَّتِي ذكرنَا لأَنا لما وجدنَا الْخلق الَّذِي لم يقدر أَن يكون بِنَفسِهِ وَجب الْإِقْرَار بالشَّيْء الَّذِي قدر أَن يكون وَهِي الْقُدْرَة الَّتِي سَمَّاهَا عُلَمَاء الْمَجُوس الهيول ثمَّ لما نَظرنَا إِلَى تَدْبِير الْخلق وَجب الْإِقْرَار بِالْعلمِ والإرادة لِأَن التَّدْبِير لَا يكون إِلَّا مِمَّن يعلم وَيُرِيد فثلاثتها إسم لإله وَاحِد ونعت لمدبر فَرد وَلَا تَجِد هِيَ غَيره وَلَا يجد هُوَ غَيرهَا فَهَذَا قَوْلنَا فِي التَّثْلِيث الَّذِي وَصفه الْإِنْجِيل وَأمر بِالْإِيمَان بِهِ وَسَماهُ بِاللِّسَانِ العجمي الآب والإبن وَالروح الْقُدس
فَهَذَا كَلَام هَذَا القس وَالنَّصَارَى يعترفون بِأَنَّهُ أعرفهم بدينهم وأعلمهم بشرعهم ويقينهم ينص على أَن الأقانيم الثَّلَاثَة صِفَات ونعوت للْوَاحِد الْفَرد وَلَا يُقَال فِيهَا أَنَّهَا هُوَ وَلَا هِيَ غَيره وَهُوَ لعمرى من المسددين فِي هَذَا النّظر إِذْ قد سلك مناهج الْبَحْث والعبر وَلَقَد قَارب الحنيفية وتباعد عَن الْملَّة النَّصْرَانِيَّة إِلَّا أننا ننازعه نزاعين أَحدهمَا فِي تَسْمِيَة هَذِه الصِّفَات الآب والإبن وَالروح الْقُدس على مَا تقرر وَهَذَا نزاع لَفْظِي لَيْسَ بكبير وَلَا لَهُ حَظّ خطير والنزاع الثَّانِي فِي أَنه قصر الأقانيم على هَذِه الثَّلَاثَة وَلم يعد الْحَيَاة فِيهَا كَمَا فعل غَيره مِنْهُم وَكَذَلِكَ الْوُجُود الْمَوْصُوف بِهَذِهِ الصِّفَات لم يعده أقنوما وَقد صرح بِأَنَّهَا صِفَات وَلَا بُد للصفات من مَوْصُوف بهَا