فَإِن قَالُوا إِنَّمَا نقتصر بِالْقِتَالِ لأنفسنا ونمتنع مِمَّن يُرِيد بِهِ ظلمنَا قُلْنَا وَمن شرع لكم أَن تنتصفوا مِمَّن ظلمكم أَو تنتصروا لأنفسكم بل قد حكيتم فِي إنجيلكم أَنه قَالَ لكم احْفَظُوا أعداءكم وأكرموا من أَسَاءَ إِلَيْكُم فَإِن لم تحفظُوا إِلَّا إخْوَانكُمْ فَمَا أجرؤكم على ذَلِك
وَهَذَا نَص على أَنه يَنْبَغِي لكم أَن تستسلموا عَن قاتلكم وَلَا تنتصروا مِمَّن ظلمكم فَإِن لم تَفعلُوا ذَلِك فقد تركْتُم شرعكم واستهنتم بِسنة نَبِيكُم ثمَّ يلزمكم على ذَلِك أَن تعترفوا بِأَن شرعكم نَاقص إِذْ قد بَين لكم نَبِيكُم بعض الْمصَالح وَترك بَعْضهَا وَهُوَ الْقِتَال الَّذِي استدركتموه بنظركم من حَيْثُ كَانَ ضَرُورِيًّا ومحتاجا إِلَيْهِ وتعترفوا بِكَمَال الشَّرْع الَّذِي جَاءَ بِالْقِتَالِ الَّذِي هُوَ شرعنا
وَعند هَذَا يتَبَيَّن فَسَاد قَوْلهم إِن الحكم حكمان لَا ثَالِث لَهما وَيفْسد عيبهم علينا الْقصاص وَذَلِكَ أَنهم يَزْعمُونَ أَن حكم التَّوْرَاة يقتضى الْقصاص وَحكم الْإِنْجِيل يقتضى الْعَفو ثمَّ زعم ذَلِك الْجَاهِل أَن لَا حكم ثَالِث وَلم يشر بثالث متوسط هُوَ أكملهما وأتمهما وَهُوَ الحكم الفرقاني حَيْثُ قَالَ الله الْعَظِيم {وَإِن عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمثل مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهو خير للصابرين} وَقَالَ {وَلمن صَبر وَغفر إِن ذَلِك لمن عزم الْأُمُور} وَقَالَ تَعَالَى {وَلمن انتصر بعد ظلمه فَأُولَئِك مَا عَلَيْهِم من سَبِيل}
ثمَّ الْعجب من هَؤُلَاءِ الْجُهَّال كَيفَ يذمون شريعتنا ويكذبونها من حَيْثُ أَنَّهَا تَضَمَّنت الْقصاص ويؤمنون بشريعة مُوسَى وَقد صرحت بِالْقصاصِ فيلزمهم على قَوْلهم أَن يكذبوا بشريعة مُوسَى ويذمونها من ذَلِك الْوَجْه
ثمَّ أعجب من ذَلِك كُله مدحهم شريعتهم من حَيْثُ كَانَت مَبْنِيَّة على الْعَفو والصفح ثمَّ مَعَ ذَلِك أَبَوا أَن يجوزوا عَفْو الله تَعَالَى عَن آدم حِين أكل من الشَّجَرَة حَتَّى قَالُوا أَن جَمِيع بني آدم