ثمَّ هَذِه الْفُصُول بجملتها يحصل مِنْهَا الْعلم الْقطعِي وَالْيَقِين الضَّرُورِيّ بِأَن مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَت الْعَادَات تنخرق على يَدَيْهِ معْجزَة لَهُ إِذْ قد تواردت جَمِيع أَخْبَار هَذِه الْفُصُول على هَذَا الْمَعْنى
فَحصل من هَذَا أَنا لم نستدل على إِثْبَات نبوة نَبينَا مُحَمَّد بأخبار الْآحَاد وَإِنَّمَا استدللنا على ذَلِك بالأخبار المتواترة المحصلة للْعلم والحمدلله
وَالنَّصَارَى فِيمَا أوردوا لم يستدلوا هَكَذَا وَلَا عِنْدهم علم من هَذَا وَكفى أَنهم فِي ضلالتهم يعمهون وَفِي شكهم يَتَرَدَّدُونَ
عصمنا الله من الْخَطَأ والزلل فِي القَوْل وَالْعَمَل بكرمه وجوده
أعلم أَن غرضنا فِي إِثْبَات هَذَا الْفَصْل شَيْئَانِ
أَحدهمَا أَن نبين أَن مَا ظهر على أَصْحَابه وعَلى أهل دينه من الكرامات هُوَ آيَة لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أعظم الْآيَات وَذَلِكَ أَن الله تَعَالَى إِذا أكْرم وَاحِدًا مِنْهُم بِأَن خرق لَهُ عَادَة فَإِن ذَلِك يدل على أَنه على الْحق وَأَن دينه حق إِذْ لَو كَانَ مُبْطلًا فِي دينه مُتبعا لمبطل فِي دَعْوَاهُ كَاذِب فِي قَوْله على الله لما أكْرمه الله وَلَا أكْرم من اتبع دينه
فعلى هَذَا نقُول إِن كل كَرَامَة لولى إِنَّمَا هِيَ آيَة للنَّبِي الَّذِي يتبعهُ ذَلِك الْوَلِيّ فَهَذَا أحد الغرضين وَهُوَ أهمهما
أَن أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن كَانُوا قد أكْرمهم الله بكرامات خارقة للعادات فَلَا يعْتَقد فيهم أَنهم أَنْبيَاء كَمَا فعلت النَّصَارَى بالحواريين بل يعْتَقد فيهم أَنهم أَوْلِيَاء الله وَأَصْحَاب رَسُول الله تلقوا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَرعه وبلغوا عَنهُ قَوْله وَفعله فبذلوا فِي إِظْهَار دين الله أنفسهم وَأَمْوَالهمْ حَتَّى أظهر الله على كل الْأَدْيَان دينهم وَإِيمَانهمْ