بأصناف كَلَامهم علم عجز الْخَلَائق عَن الْإِتْيَان بِمثلِهِ ضَرُورَة كَمَا يعلم عجز الْأَطِبَّاء عَن إحْيَاء الْمَوْتَى وإبراء الأكمه والأبرص بِنَفس الْعلم بِهَذِهِ الْأُمُور وَالْوُقُوف عَلَيْهَا وَكَذَلِكَ من شَاهد قلب العصى ثعبانا مُبينًا يتلقف مَا جَاءُوا بِهِ من السحر والتخييلات حصل لَهُ الْعلم الْقطعِي بِأَن قلب العصى ثعبانا يعجز عَنهُ الْخَلَائق أَجْمَعُونَ إِذْ ذَاك خَارج عَن مقدورهم
إحْيَاء الْمَوْتَى وقلب العصى وَمَا ينزل منزلتها جلي لَا يشك فِيهِ من شَاهده عَام بِالْإِضَافَة إِلَى كل الْعُقَلَاء لَا يبْقى مَعَه ريب لأَحَدهم بل يحصل لَهُم الْعلم الْقطعِي بذلك وَلَيْسَ كَذَلِك مَا ادَّعَاهُ نَبِيكُم من إعجاز الْقُرْآن إِذْ لَا يحصل الْعلم بإعجازه لكل أحد بل إِنَّمَا يحصل الْعلم بذلك عنْدكُمْ وعَلى زعمكم للفصحاء من الْعَرَب وَأما من لَيْسَ فصيحا أَو أعجميا لَا يفقه لِسَان الْعَرَب فَلَا يحصل لَهُ الْعلم بإعجازه فَإِن الأعجمي لَو كلف أَن يتَكَلَّم بِكَلِمَة وَاحِدَة من لِسَان الْعَرَب لم يقدر على ذَلِك فَعدم قدرته على ذَلِك لَا يدل على صدق المتحدى بِهِ وَكَذَلِكَ من لَيْسَ فصيحا من الْعَرَب لَو كلف أَن يَأْتِي بِكَلَام فصيح لم يقدر عَلَيْهِ فَلَا يكون ذَلِك معجزا فِي حَقه
أَن نقُول سنبين إِن شَاءَ الله وُجُوه إعجازه وَأَنَّهَا مُتعَدِّدَة وَإِن مِنْهَا مَا يُدْرِكهُ الجفلا ويشترك فِي معرفَة إعجازه أهل الحضارة والفلا
فَيكون هَذَا النَّوْع كقلب العصى وإحياء الْمَوْتَى وَلَو سلمنَا جدلا أَنه معجز من حَيْثُ بلاغته وأسلوبه الْمُخَالف لأساليب كَلَامهم فَقَط لقلنا إِن الْعلم بإعجازه وإحياء الْمَوْتَى وقلب العصى لَا يحصل لكل الْعُقَلَاء على حد سَوَاء وَلَا فِي زمَان وَاحِد بل يحصل ذَلِك لمن علم وَجه إعجاز ذَلِك الشَّيْء المعجز حِين يعرف أَنه مِمَّا لَيْسَ يدْرك بجبلة بشرية وَلَا يتَوَصَّل إِلَى ذَلِك بالإطلاع على خاصية
وَقد لَا يبعد أَن تقوم شُبْهَة عِنْد جَاهِل بصناعة الطِّبّ وَالسحر تَمنعهُ من تَحْصِيل الْعلم بالإعجاز فَيَقُول لَعَلَّ مُوسَى اطلع من السحر على شَيْء لم يُعلمهُ السَّحَرَة وَلَا اطَّلَعت عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ عِيسَى لَعَلَّه وَقع على خاصية بعض الْأَحْجَار أَو بعض الموجودات فَكَانَ يفعل بهَا مَا يظْهر على يَدَيْهِ وَهَذِه الشُّبْهَة إِنَّمَا مُمكن أَن تظهر للجاهل بالطب