الْوَحْي فِي الْيَوْم الشَّديد الْبرد فَيفْصم عَنهُ وَإِن جَبينه ليتفصد عرقا
وَلأَجل هَذَا قَالَ الله تَعَالَى {إِنَّا سنلقي عَلَيْك قولا ثقيلا} وَقَالَ لَهُ {فَإِذا قرأناه فَاتبع قرآنه}
وَهَذِه مشقة لَا يعرفهَا على التَّحْقِيق إِلَّا الرُّسُل وَلأَجل عظم هَذَا الْأَمر جَاءَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ يتعبد بِغَار حراء وَذَلِكَ قبل أَن يُوحى إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ اقْرَأ فَقَالَ مَا أَنا بقارئ فَأَخذه فغطه حَتَّى بلغ مِنْهُ الْجهد ثمَّ أرْسلهُ فَقَالَ اقْرَأ فَقَالَ مَا أَنا بقارئ فَفعل بِهِ مثل ذَلِك مرَّتَيْنِ فَقَالَ لَهُ فِي الثَّالِثَة {اقْرَأ باسم رَبك الَّذِي خلق} الْآيَات فقرأها ثمَّ رَجَعَ إِلَى خَدِيجَة يرجف فُؤَاده فَقَالَ زَمِّلُونِي فدثروه فَأنْزل الله عَلَيْهِ وَهُوَ على تِلْكَ الْحَال {يَا أَيهَا المدثر قُم فَأَنْذر وَرَبك فَكبر} الْآيَات
ثمَّ بعد قبُول الْوَحْي أَمر بتبليغه وتبيينه للنَّاس وَالصَّبْر على مَا يُصِيبهُ من أَذَى قومه فَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعرض نَفسه وَدينه على قبائل الْعَرَب وعَلى وفودها إِذا قدمُوا مَكَّة لمواسم الْحَج فيعيب آلِهَتهم ويسفه أحلامهم وَيظْهر خلافهم ويوبخهم على جهالاتهم فيردون عَلَيْهِ قَوْله ويكذبونه ويسبونه ويؤذونه بأقصى ممكنهم من أَنْوَاع الْأَذَى فيصبر على ذَلِك ويحتسب مَا يلقاه على الله
فلسان الْحَال ينشد والأنفاس خوفًا من التَّقْصِير فِي أَمر الله تتصعد ... لَا أُبَالِي إِذا رضيت إلهي
أَي أَمر من الْأُمُور دهاني ...
فَلم يزل رَاضِيا صَابِرًا على أَنْوَاع الْبلَاء حَتَّى كَانَ لِسَان حَاله يَقُول ... عذب التعذيب عِنْدِي وحلا ...
فَأَقَامَ على ذَلِك بِمَكَّة ثِنْتَيْ عشرَة سنة يَدْعُو النَّاس من غير قتل