وَلَقَد روى أَن هِرقل ملك النَّصَارَى لما سَأَلَ كفار قُرَيْش عَن صِفَات النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فَهَل يغدر قَالُوا لَهُ لَا فَقَالَ لَهُم كَذَلِك الرُّسُل لَا تغدر وَكَيف يغدر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ قَالَ ينصب لكل غادر لِوَاء يَوْم الْقِيَامَة يعرف بِهِ يُقَال هَذِه غدرة فلَان وَلَقَد جَاءَهُ الْمُغيرَة بن شُعْبَة مُسلما وَجَاء مَعَه بِمَال قوم من الْجَاهِلِيَّة كَانَ قد صحبهم ثمَّ قَتلهمْ وَأخذ أَمْوَالهم فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أما الْإِسْلَام فَأقبل وَأما المَال فلست مِنْهُ فِي شَيْء وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد عرض لَهُ بعض أَصْحَابه بغدر الْمُشْركين دَعْنِي لَهُم ونستعين الله عَلَيْهِم
وَفِي خبر الجلندي ملك عمان لما بلغه أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدعُوهُ إِلَى الْإِسْلَام فَقَالَ الجلندي وَالله لقد دلَّنِي على أَن هَذَا نَبِي أَنه لَا يَأْمر بِخَير إِلَّا كَانَ أول آخذ بِهِ وَلَا ينْهَى عَن شَرّ إِلَّا كَانَ أول تَارِك لَهُ وَأَنه يغلب فَلَا يبطر ويغلب فَلَا يضجر ويفي بالعهود وينجز الْمَوْعُود أشهد أَنه نَبِي
أَيْن هَذَا مِمَّا يحْكى الْيَهُود وَالنَّصَارَى عَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فِي كتبهمْ من أَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام لما أَرَادَ الْخُرُوج من مصر اسْتعَار حلى بني إِسْرَائِيل ثمَّ فر بِهِ لَيْلًا
وَعند الإنتهاء إِلَى هَذَا الْمقَام يعلم الْعَاقِل مَا فِي كتب الْقَوْم من الأباطل والأوهام ومُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام مبرأ عَن النقائص والآثام وَمن وفائه بالعهد وقيامه فِي حفظه بِالْحَدِّ أَنه قدم عَلَيْهِ وَفد النَّجَاشِيّ فَقَامَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخدمهم بِنَفسِهِ فَقَالَ لَهُ أَصْحَابه نَحن نكفيك فَقَالَ إِنَّهُم كَانُوا لِأَصْحَابِنَا مكرمين وَإِنِّي أحب أَن أكافئهم وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حسن الْعَهْد من الْإِيمَان
وَحَقِيقَة الْوَفَاء بالعهد تتميم مَا ربط من العقد ومراعاة مَا تقدم من الود ومكافأة من لَهُ يَد وَقد كَانَت هَذِه الْخِصَال اجْتمعت فِيهِ لَا يُنَازع فِي ذَلِك أحد وَإِن كَانَ يناوئه
فشيء لَا يجْحَد وَلَا يجهل وَلَا يلْحقهُ فِي شَيْء من ذَلِك أحد وَإِن بدل غَايَة جده وَلم يكسل فَهُوَ بِالْحَقِيقَةِ كَمَا قَالَ الشَّاعِر الأول