أَن أَعمال شَرِيعَته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انقسمت إِلَى أُمُور تعبدية مثل الصَّوْم وَالصَّلَاة وَالْحج وَغير ذَلِك مِمَّا لَا يدْرك مَعَانِيهَا وَحكمهَا إِلَّا من أمده الله بِتَوْفِيق خَاص فنور بالمعارف بَاطِنه وزين بِالْأَعْمَالِ ظَاهره وَإِلَى أُمُور مصلحية يدْرك مَعَانِيهَا الجفلى وَالْجُمْهُور من أهل الدّيانَة الحنيفية
ثمَّ أَنه اعْتبر أصُول مصَالح الْعَالم فأوجبها وَاعْتبر أصُول مفاسد الْعَالم وحرمها وأصول الْمصَالح إِنَّمَا هِيَ خَمْسَة الْمُحَافظَة على صِيَانة الدِّمَاء فِي أهبها وَالْأَمْوَال على ملاكها والأنساب على أهليها والعقول على المتصفين بهَا والأديان الَّتِي بهَا عَيْش النُّفُوس وزكاتها
فَأَما بمرتبة وَاحِدَة أَو بمراتب على مَا يعرف فِي مَوْضِعه
فحقنها بِأَن شرع أَن من قتل يقتل وَمن جرح يجرح وَمن فَقَأَ عين إِنْسَان فقئت عينه وَهَكَذَا
فَإِذا علم الْقَاتِل أَن يفعل بِهِ مثل مَا يفعل انكف عَن الْقَتْل فحصلت حَيَاة النُّفُوس وصيانة الدِّمَاء وَلأَجل ذَلِك قَالَ الله تَعَالَى {وَلكم فِي الْقصاص حَيَاة يَا أولي الْأَلْبَاب}
ثمَّ سوى فِي الْقصاص بَين الْكَبِير وَالصَّغِير والشريف والمشروف إشعارا بِأَن مزايا الدُّنْيَا وفضائلها لَا مبالاة بهَا عِنْد الله أَن الشّرف إِنَّمَا هُوَ بِالدّينِ وَالتَّقوى وَلأَجل هَذَا قَالَ الله تَعَالَى إِن أكْرمكُم عِنْد الله أَتْقَاكُم وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام النَّاس كأسنان الْمشْط يُرِيد بذلك أَن الْأَحْكَام مُتَسَاوِيَة بَينهم وَأَنَّهُمْ فِيمَا شرع سَوَاء
فصانها على ملاكها بِأَن شرع قطع يَد السَّارِق للنصاب وَقتل الْمُحَارب وَغرم مثل الْمُتْلف أَو الْمَغْصُوب إِن كَانَ مِمَّا لَهُ مثل فاذا علم السَّارِق والمحارب أَنَّهُمَا يعاقبان بِمَا يُنَاسب جنايتهما ارتدعا وانكفا فانحفظت الْأَمْوَال