شقّ ذَلِك عَلَيْهِم ضعفا وعجفا حَتَّى قدمنَا مَكَّة نلتمس الرضعاء فَمَا منا امْرَأَة إِلَّا وَقد عرض عَلَيْهَا مُحَمَّد بن عبد الله فتأباه إِذا قيل لَهَا أَنه يَتِيم
وَذَلِكَ أَنا كُنَّا نرجو الْمَعْرُوف من أبي الصَّبِي فَكُنَّا نقُول يَتِيم فَمَا عَسى أَن تصنع أمه وجده فَكُنَّا نكرهه لذَلِك فَمَا بقيت امْرَأَة قدمت معي إِلَى أخذت رضيعا غَيْرِي فَلَمَّا أجمعنا الإنطلاق قلت لصاحبي إِنِّي وَالله أكره أَن أرجع من بَين صواحبي وَلم آخذ رضيعا وَالله لأذهبن إِلَى ذَلِك الْيَتِيم فلأخذنه فَقَالَ افعلي عَسى الله أَن يَجْعَل فِيهِ بركَة قَالَت فَذَهَبت إِلَيْهِ فَأَخَذته وَمَا حَملَنِي على أَخذه إِلَّا أَنِّي لم أجد غَيره
قَالَت فَلَمَّا أَخَذته رجعت بِهِ إِلَى رجْلي فَلَمَّا وَضعته فِي حجري أقبل على ثدياي بِمَا شَاءَ من لبن فَشرب حَتَّى روى وَشرب مَعَه أَخُوهُ حَتَّى روى ثمَّ نَامَا وَمَا كُنَّا ننام مَعَه قبل ذَلِك
وَقَامَ زَوجي إِلَى شارفنا تِلْكَ فَإِذا أَنَّهَا لحافل فَحلبَ مِنْهَا ماشرب وشربت حَتَّى انتهينا ريا وشبعا فبتنا بِخَير لَيْلَة قَالَت يَقُول صَاحِبي حِين أَصْبَحْنَا تعلمي وَالله يَا حليمة لقد أخذت نسمَة مباركة قلت وَالله إِنِّي لأرجو ذَلِك قَالَت ثمَّ خرجنَا فركبت أَتَانِي وَحَمَلته عَلَيْهَا معي فوَاللَّه لَقطعت بالركب مَا يقدر على شَيْء من حمرهم حَتَّى أَن صواحبي ليقلن لي يَا إبنة أبي ذؤيت وَيحك أربعي علينا أليست هَذِه أتانك الَّتِي كنت خرجت عَلَيْهَا فَأَقُول لَهُنَّ بلَى وَالله فيقلن لي وَالله أَن لَهَا لشأنا
قَالَ ثمَّ قدمنَا مَنَازلنَا من بِلَاد بني سعد وَمَا أعلم أَرضًا من أَرض الله أجدب مِنْهَا فَكَانَت غنمي تروح على حِين قدمنَا بِهِ مَعنا شباعا لَبَنًا فنحلب وَنَشْرَب وَمَا يجلب إِنْسَان قَطْرَة وَلَا يجدهَا فِي ضرع حَتَّى كَانَ الْحَاضِر من قَومنَا يَقُولُونَ لرعاتهم وَيحكم أسرحوا حَيْثُ يسرح راعي بنت أبي ذُؤَيْب فتروح أغنامهم جياعا مَا تبض بقطرة لبن وَتَروح غنمي شباعا لَبَنًا فَلم نزل نتعرف من الله الزِّيَادَة وَالْخَيْر حَتَّى مَضَت سنتاه وفصلته وَكَانَ يشب شبَابًا لَا يشبه الغلمان فَلم يبلغ سنتيه حَتَّى كَانَ غُلَاما جفرا