ثمَّ لَا يبعد أَيْضا فِي التَّأْوِيل إِن صَحَّ عَن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام أَنه كَانَ يُطلق على الله لفظ الْأَب أَن يكون مُرَاده بِهِ أَنه ذُو حفظ لَهُ وَذُو رَحْمَة وحنان عَلَيْهِ وعَلى عباده الصَّالِحين فَهُوَ لَهُم بِمَنْزِلَة الْأَب الشفيق الرَّحِيم وهم لَهُ فِي الْقيام بحقوقه وعبادته بِمَنْزِلَة الْوَلَد الْبَار وَيحْتَمل أَن يكون تجوز بِإِطْلَاق هَذَا اللَّفْظ على الله تَعَالَى لِأَنَّهُ معلمه وهاديه ومرشده كَمَا يُقَال الْمعلم أَبُو المتعلم وَمن هَذَا قَوْله تَعَالَى فِي كتَابنَا {مِلَّة أبيكم إِبْرَاهِيم هُوَ سَمَّاكُم الْمُسلمين من قبل} على أحد تأويلاته
وَمن هذَيْن التَّأْويلَيْنِ يَصح حل مَا وَقع فِي أَنَاجِيلهمْ من هَذَا اللَّفْظ بل هَذَانِ التأويلان ظاهران وسائعان فهيا وَيشْهد لهذين التَّأْويلَيْنِ قَول عِيسَى للحواريين على مَا جَاءَ فِي سُورَة الْوَصِيَّة حَيْثُ قَالَ لَهُم
إِذا صليتم فَقولُوا يَا أَبَانَا السماوي تقدس إسمك وَقرب ملكك ثمَّ قَالَ بعد كَلَام ووصايا فَإِذا كُنْتُم أَنْتُم على شرتكم تعرفُون إِعْطَاء الْخيرَات أَوْلَادكُم فَكيف أبوكم السماوي
وَكَذَلِكَ وَقع فِي إنجيل يوحنا يحيى أَن عِيسَى قَالَ للْيَهُود أَنا عَالم أَن من نسل إِبْرَاهِيم وَلَكِن تُرِيدُونَ قَتْلَى لأنكم