إِذْ الرسَالَة نبوة وَزِيَادَة وَهَذَا بَين بِنَفسِهِ فَإِذا تقرر ذكل فَهَذَا الْبُشْرَى الَّذِي يدعى أَن الله أرْسلهُ إِلَيْنَا لَا بُد أَن يكون صَادِقا وَذَلِكَ لَا نعرفه بِغَيْر دَلِيل فَلَا بُد من دَلِيل
وَالدَّلِيل المتحدى بِهِ هُوَ المعجزات وَلَا بُد من النّظر فِي حَقِيقَتهَا وَفِي شُرُوطهَا وَفِي وَجه دلالتها
فَلفظ مَأْخُوذ من الإعجاز وَذَلِكَ أَنَّك تَقول عجز فلَان عَن كَذَا عَجزا إِذا لم يقدر عَلَيْهِ وَلم يقم بِهِ وأعجزته إعجازا إِذا جعلته يعجز وَتقول أعجزني الشَّيْء إِذا فاتك وَلم تقدر عَلَيْهِ
وَكلهَا رَاجِعَة إِلَى أَن الْعَاجِز عَن الشَّيْء هُوَ الَّذِي لَا يتَمَكَّن من الشَّيْء وَلَا يقدر عَلَيْهِ ثمَّ فِي تَسْمِيَة هَذِه الْأَدِلَّة الَّتِي تدل على صدق الْأَنْبِيَاء معجزات تجوز وَذَلِكَ أَن المعجز على التَّحْقِيق إِنَّمَا هُوَ خَالق الْعَجز وَهَذِه الْأَسْبَاب الَّتِي يَقع الْعَجز عِنْدهَا تسمى معْجزَة بالتوسع وَذَلِكَ من تسمة الشَّيْء باسم غَيره إِذا جاوزه أَو كَانَ مِنْهُ بِسَبَب
هَذَا شرح لفظ المعجزة
فَأَما حَقِيقَتهَا فَهُوَ أَمر خارق للْعَادَة مقرون بالتحدي مَعَ عدم الْمُعَارضَة
إِنَّمَا قُلْنَا أَمر وَلم نقل فعل ليشتمل بذلك على الْفِعْل الخارق للْعَادَة وَالْمَنْع من الْفِعْل الْمُعْتَاد فَلَو قَالَ نَبِي آيتي أَنه لَا يقدر أحد أَن يتَكَلَّم الْيَوْم فَكَانَ ذَلِك لَكَانَ ذَلِك دَلِيلا على صدقه وَيكون ذَلِك معْجزَة لَهُ مَعَ أَنه لَيْسَ إتيانا بِفعل عرفي وَإِنَّمَا هُوَ منع من فعل مُعْتَاد وَإِنَّمَا قُلْنَا مقرون بالتحدي لِئَلَّا يتَّخذ الْكَاذِب معْجزَة من تقدمه حجَّة لنَفسِهِ ولتتميز عَن الْكَرَامَة وَمَا فِي مَعْنَاهَا وَإِنَّمَا قُلْنَا مَعَ عدم الْمُعَارضَة لتتميز عَن السحر والشعبذة
وَإِذا حققت النّظر فِيمَا ذَكرْنَاهُ فِي حد المعجزة علمت شُرُوطهَا لَكِن يَنْبَغِي لَك أَن تعرف أَن المعجزة لَا تكون دَلِيلا إِلَّا فِي حق من علم وجود الْبَارِي تَعَالَى وَأَنه قَادر عَالم مُرِيد مَوْصُوف بِصِفَات الْكَمَال حَتَّى يَتَأَتَّى مِنْهُ الْإِرْسَال والتصديق والتكليف وَإِذا لم يعرف النَّاظر