فعلى هَذَا هما أولى بِعَدَمِ التَّوَاتُر وبقبول التحريف فيهمَا فَإِذا ادعوا تَوَاتر شَيْء من ذَلِك فَلْينْظر هَل كملت فِيهِ شُرُوط التَّوَاتُر أم لَا فَإِن كملت قبلنَا وآمنا وَإِن لم تكمل توقفنا وطالبناهم بِالطَّرِيقِ الْموصل إِلَى الْعلم
فَإِذا ثبتَتْ هَذِه الْمُقدمَة قُلْنَا بعْدهَا للمستدل على إِثْبَات نبوة عِيسَى بالأدلة الْمُتَقَدّمَة لَا تظن أننا نرد نبوة عِيسَى أَو أَنا نشك فِيهَا حاشى لله بل نَحن أَحَق وَأولى بِعِيسَى ابْن مَرْيَم مِنْكُم فَإِنَّكُم قُلْتُمْ فِيهِ مَا لَا يَنْبَغِي لَهُ ونسبتموه إِلَى مَا يتبرأ هُوَ مِنْهُ بل أَنْتُم لعمرى وَالله أبعد مِنْهُ وَأبْغض إِلَيْهِ مِمَّن أنكر نبوته وَكفر بِهِ فَإِن من أنكر نبوته وَكفر بِهِ لم يُشْرك بِاللَّه كَمَا فَعلْتُمْ أَنْتُم حَيْثُ جعلتموه إِلَهًا آخر وَلم يعرض بِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام للموقف المخجل الَّذِي يسْأَله الله فِيهِ عَن غلوكم فِيهِ وعبادتكم لَهُ حَيْثُ يَقُول الله لَهُ
{يَا عِيسَى ابْن مَرْيَم أَأَنْت قلت للنَّاس اتخذوني وَأمي إِلَهَيْنِ من دون الله} فَيَقُول خجلا فَزعًا متبرأ من قَبِيح مَا نسبتموه إِلَيْهِ {سُبْحَانَكَ مَا يكون لي أَن أَقُول مَا لَيْسَ لي بِحَق إِن كنت قلته فقد عَلمته}
وَأما نَحن فَإِنَّمَا نقُول فِيهِ مَا قَالَه الله على لِسَان رَسُوله الْمُصْطَفى {مَا الْمَسِيح ابْن مَرْيَم إِلَّا رَسُول قد خلت من قبله الرُّسُل وَأمه صديقَة كَانَا يأكلان الطَّعَام} وَمَا قَالَه الله أَيْضا فِيهِ على لِسَان أشعياء حَيْثُ بشر بِهِ وَأخْبر بقدومه هَذَا غلامي الْمُصْطَفى وحبيبي الَّذِي ارتضت بِهِ نَفسِي
وَمَا قَالَه هُوَ عَن نَفسه حِين تكلم فِي مهده {قَالَ إِنِّي عبد الله آتَانِي الْكتاب وَجَعَلَنِي نَبيا}
فَنحْن نعرفه حق مَعْرفَته ونؤمن بنبوته وشريعته ونحيل عَلَيْهِ الإلهية إِذْ لَيست من صفته {مَا كَانَ لبشر أَن يؤتيه الله الْكتاب وَالْحكم والنبوة ثمَّ يَقُول للنَّاس كونُوا عبادا لي من دون الله وَلَكِن كونُوا ربانيين بِمَا كُنْتُم تعلمُونَ الْكتاب وَبِمَا كُنْتُم}