وَلَيْسَ شَيْء من هَذَا مَوْجُودا فِي الْإِنْجِيل فِي فَإِن سَمَّاهُ مسم كتابا منزلا وَلم يرد هَذَا الْمَعْنى فَلَا بُد من أَن نَسْأَلهُ عَن الْمَعْنى الَّذِي يُريدهُ بذلك الْإِطْلَاق فَلَا شكّ أَنه يَقُول إِنَّمَا سميته كتابا منزلا لِأَن عِيسَى جَاءَ من عِنْد الله وبلغنا شرع الله وَفِي ذَلِك الْكتاب وصف سيرته وحكايات وأخبار عَن الله فَكيف لَا يُقَال عَلَيْهِ هُوَ كتاب الله ومنزل من الله فَنَقُول لَهُ نُسَمِّيه هَذَا كتاب الله بالمجاز أَو بِالْحَقِيقَةِ فَإِن قَالَ بِالْحَقِيقَةِ فَكَلَامه بَاطِل فَإِن حَقِيقَة كتاب الله الْمنزل هُوَ مَا قدمْنَاهُ وَإِن قَالَ بالمجاز قنعنا بِهَذَا ثمَّ ألزمناه عَلَيْهِ أَن يكون كل كتاب يحْكى عَن نَبِي من أَنْبيَاء الله فَإِن أَلفه أَي مؤلف كَانَ كتاب الله وَلَا فرق
وَإِذا انتهينا إِلَى هَذَا فقد حصل غرضنا وَهُوَ أَن هَذَا الْإِنْجِيل الَّذِي بِأَيْدِيهِم لَيْسَ منزلا وَلَا يُقَال عَلَيْهِ كتاب الله الْمنزل كَمَا يُقَال على التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالْقُرْآن وَذَلِكَ مَا كُنَّا نبغي
فقد حصل من هَذَا الْكَلَام أَنه لَيْسَ منزلا من الله حَقِيقَة وَأَن نَقله لَيْسَ متواترا فَإِنَّهُ رَاجع إِلَى الْأَرْبَعَة الَّذين ذَكَرْنَاهُمْ وَالْعَادَة تجوز عَلَيْهِم الْغَلَط والسهو وَالْكذب فَإِن قَالُوا هم معصومون فِيمَا نقلوه عَن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام قُلْنَا مَا دَلِيل عصمتهم فَإِن قَالُوا دَلِيل عصمتهم أَنهم كَانُوا أَنْبيَاء وَدَلِيل نبوتهم مَا ظهر على أَيْديهم من خوارق الْعَادَات وَشَهَادَة عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام لَهُم حَيْثُ قَالَ لَهُم كل مَا سألتموه إِذا حسن إيمَانكُمْ ستجابون وَقَالَ لَهُم ستوقفون على الْمُلُوك ويسألونكم فَلَا تَفَكَّرُوا فِيمَا تَقولُونَ فَإِنَّكُم ستهدون ذَلِك الْوَقْت لما تقولونه ولستم تنطقون أَنْتُم لَكِن روح الْقُدس ينْطق على أَلْسِنَتكُم وَقد جَاءَ عَن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام أَنه دَعَا الإثني عشر حواريا وَأَعْطَاهُمْ من الْقُدْرَة وَالسُّلْطَان مَا يَتَّقُونَ بِهِ جَمِيع الْجِنّ ويبرءون بِهِ الأسقام وَكَذَلِكَ قَالَ لبطرس مَا عقدته أَنْت فِي الأَرْض فمعقود فِي السَّمَاء وَمَا حللته فِي الأَرْض