ثمَّ قلت قد غلبت عَلَيْهِم فِي ذَلِك الغواية وتأديب الصِّبَا وَوَصِيَّة الْآبَاء والأجداد حَتَّى صَار ذَلِك طبعا فيهم هَذَا الَّذِي ذكرته لعمري حكم الرعاع الغبر والغثاء الغثر وَأما من أمده الله بِنور توفيقه وَبَين لَهُ سَوَاء طَرِيقه فقد تبين لَهُ الرشد من الغي وَالْمَيِّت من الْحَيّ فقد أَخْطَأت فِي إطلاقك هَذَا الحكم على جَمِيع الْملَل وَلم تشعر بِمَا لزمك من الْفساد والزلل كلا بل الَّذِي ذكرته وصف أهل ملتك وحيلة عصبتك إِذْ هم أهل تَقْلِيد ونظرهم غير سديد ثمَّ قلت فكلهم قد سهل عَلَيْهِم انتقاص غَيرهم وطاب عِنْدهم دينهم بالتهنية فِي دنياهم عَن معاد آخرتهم وَعدلت فِي هَذَا الحكم عَن الْعدْل فحاق عَلَيْك اللوم والعذل بل فِي الْملَل من لَا ينتقص أحدا إِلَّا إِذا ذمه الشَّرْع وَإِذا رأى ذُو فَضِيلَة محقا أحبه وشكره بالطبع والطوع وَذُو الْفَضِيلَة يهجر فِي طلب الْحق جَمِيع لذاته ويزهد فِي جَمِيع متملكاته يَبْغِي بذلك رضَا سَيّده ومرضاته يضْرب فِي طلب الْحق الأَرْض ضربا فيقطعها شرقا ويقطعها غربا ... يَوْمًا يمَان إِذا لاقيت ذَا يمن
وَإِن لقِيت معدا مَا فعدنان ...
يُفَارق الْأَهْل والوطن ويلازم الْفقر والعطن فَإِذا ظفر بالبغية ليا وفطن أما الدُّنْيَا فَلَا يلْتَفت إِلَيْهَا وَأما الْآخِرَة فَهُوَ مقبل بكليته عَلَيْهَا فَهُوَ فِي كل حَال ينشد وأحواله تشهد ... وأبغضت فِيك النّخل وَالنَّخْل يَانِع ... وأعجبني من حبك السدر والضال
وأهوى لجوان السماوة والغضا ... وَلَو أَن صنفيه وشَاة وعذال ...
فَأَنت لم تحكم بِالسَّوِيَّةِ وَلَا عدلت فِي الْقَضِيَّة حَيْثُ حكمت بإعراض كل الْعُقَلَاء عَن الْأَدْيَان وبالتكاثر من الدُّنْيَا على كل الْبَريَّة كلا لَو كَانَ ذَلِك لما بقى منا أحد إِلَّا هَالك فراجع نَفسك عَن هَذَا الْإِطْلَاق وَتب للْوَاحِد الخلاق واحكم على أهل ملتك بِتِلْكَ الْخِصَال والأخلاق فَإِن رب الْعَالمين يبْقى علينا ببركة الْفُضَلَاء وَالصَّالِحِينَ
ثمَّ قلت وأحسب أَن الْعلَّة فِي ذَلِك رغبتهم فِي التكاثر من الدُّنْيَا