الصَّوْت مَخْلُوق وَأَن الله تَعَالَى لَيْسَ بمخلوق فَهَذَا الصَّوْت الْمَخْلُوق إِمَّا أَن يكون رَبًّا غير الله أَو لَيْسَ رب فَإِن كَانَ رَبًّا غير الله فيلزمكم أَن تَعْبُدُوهُ بِعبَادة خَاصَّة غير عبَادَة الله بل هُوَ أولى بِالْعبَادَة من ناسوت الْمَسِيح إِذْ يتغوط ويبول ويصلب على قَوْلكُم إِلَى غير ذَلِك مِمَّا عددناه

وَذَلِكَ أَن الصَّوْت لَا يَلِيق بِهِ شَيْء من ذَلِك وَذَلِكَ كُله جهل وَقد ألزمناهم على ذَلِك مناقضات لَا محيص عَنْهَا فِيمَا تقدم وَإِن كَانَ هَذَا الصدى لَيْسَ بِرَبّ فيلزمكم على قَوْلكُم أَن يكون مُوسَى خَاطب بالربوبية من لَيْسَ بِرَبّ وَذَلِكَ لَا يَلِيق بِهِ وَهَذَا على قَوْله أَن الْمُخَاطب هُوَ الصدى لَازم ضَرُورَة ثمَّ مَا أعجب أَمر هَؤُلَاءِ الْقَوْم ينفون تَشْبِيه الله تَعَالَى بخلقه ويجعلون نَفسه قَاعِدَة يرجعُونَ إِلَيْهَا بزعمهم ثمَّ يلتزمون من التَّشْبِيه فِي حق الله تَعَالَى مَا لم يقل بِهِ من المشبهة أحد وَذَلِكَ أَنهم قَالُوا إِن الله تَعَالَى مُتَكَلم بِصَوْت هُوَ من قبيل أصواتنا وَهُوَ مَخْلُوق مقطع بالحروف وَهُوَ مَعَ ذَلِك مُخَاطب بالبربوية وَهَذَا هُوَ التَّشْبِيه الَّذِي فروا مِنْهُ وَزِيَادَة عَلَيْهِ

وَلَقَد أوغل فِي التَّشْبِيه كَبِيرهمْ أغشتين وَإِن كَانَ عَن أصل التَّشْبِيه من المعرضين وَذَلِكَ أَنه جوز عقله بِزَعْمِهِ أَن يتَّخذ الْبَارِي صُورَة يجهلها وَيظْهر فِيهَا وَيسْجد لَهَا وَمن رأى تِلْكَ الصُّورَة وَيَقُول رَأَيْت صُورَة الله فَإِنَّهُ قد رأى الله وَلَا تَشْبِيه أعظم مِنْهَا بل المشبهة أحسن حَالا مِنْهُ وَذَلِكَ أَنهم أعنى المشبهة بنوا أَمرهم على ظواهر الشَّرَائِع فأثبتوا مَا أَثْبَتَت الشَّرَائِع وَمَا قَالَت الْأَنْبِيَاء وَمَا جَاءَ فِي كتب الله مُصدقين لَهَا غير منحرفين عَن ظواهرها ثمَّ عزلوا عُقُولهمْ فَلم ينْظرُوا بهَا فبقوا على جمود التَّقْلِيد وثبتوا على صميم الإعتقاد والتوحيد وَمَعَ ذَلِك فَإِنَّهُم يعظمون الله وَيَقُولُونَ بِأَن لَا إِلَه إِلَّا الله

وَمِمَّا صرح فِيهِ بإلتزام التَّشْبِيه قَوْله صَوت الله من فعل الله كَمَا أَن صَوت الْإِنْسَان من فعل الْإِنْسَان وَلَا معنى للتشبيه الَّذِي نفى إِلَّا هَذَا فَهَذَا تنَاقض ظَاهر فَإِنَّهُ تَارَة نفى التَّشْبِيه وَتارَة أثْبته ثمَّ قَوْله يُصَرح بِأَن حَقِيقَة الْمُتَكَلّم من فعل الْكَلَام وَهُوَ خطأ بل حَقِيقَة الْمُتَكَلّم من قَامَ بِهِ الْكَلَام وَالدَّلِيل على ذَلِك أَن حَقِيقَة الْمُتَكَلّم تفهم بكمالها مَعَ فرض الْغَفْلَة والذهول عَن كَونه فَاعِلا للْكَلَام وَلَو كَانَت حَقِيقَة الْمُتَكَلّم من فعل الْكَلَام لما فهمت حَقِيقَة الْمُتَكَلّم حَتَّى يفهم كَونه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015