ومنها: لو قال: لا أخاف القيامة، كفر، كذا أقراه، ومحله إن قصد الاستهزاء. أما إذا أطلق أو لمح سعة عفو الله تعالى ورحمته وقوة رجائه فلا يكفر.
ومنها: قالا عنهم: واختلفوا فيما لو وضع متاعه في موضع، وقال: سلمته إلى الله تعالى، فقال له آخر: سلمته إلى من لا يتبع السارق إذا سرق، ولم يرجحا شيئا، والذي يظهر أنه إن قال ذلك على جهة نسبة العجز إليه سبحانه وتعالى كفر، وإن أراد سعة حلمه تعالى على السارق، أو أطلق لم يكفر، ثم رأيت الأذرعي قال: الظاهر أنه لا يكفر عند الإطلاق، وقوله: لا يتبع السارق أي لستره إياه ونحو ذلك، نعم إن ظهرت منه قرينة استخفاف فالتكفير ظاهر انتهى.
ومنها: لو حضر جماعة وجلس أحدهم على مكان رفيع تشبيهاً بالمذكرين فسألوا المسائل وهم يضحكون ثم يضربونه بالمجراف، أو تشبيها بالمعلمين فأخذ خشبة وجلس القوم حوله كالصبيان فضحكوا واستهزؤوا، أو قال: قصعة من ثريد خير من العلم كفر. زاد في الروضة قلت: الصواب أنه لا يكفر في مسألتي التشبيه انتهى. ولا يغتر بذلك وإن فعله أكثر الناس حتى من له نسبة إلى العلم، فإنه يصير مرتداً على قول جماعة، وكفى بهذا خساراً وتفريطاً.
وظاهر كلام النووي رحمه الله تعالى التقرير على المسألة الثالثة، ولا يبعد أن يقيد بما إذا قصد الاستهزاء بالعلم بسائر أنواعه، أو أراد أنها خير من كل علم، لشموله العلم بالله وصفاته وأحكامه. أما لو أراد العلوم التي لا تتعلق بالله تعالى وصفاته وأحكامه، فلا ينبغي أن يكون ذلك كفراً لأنه لا يلزم عليه الاستهزاء بالدين ولا تنقيصه، بخلاف ما إذا أطلق أو أراد العلم المتعلق بالله أو بصفاته أو بأحكامه لأن ذلك نص في الاستهزاء بالعلم وبالدين فكان كفراً.