ثم ما اقتضاه كلامه -أعني الشيخ عز الدين- من أن العلماء كالوالد في ذلك يدل عليه ما في الروضة آخر سجود التلاوة، وعبارته: وسواء في هذا الخلاف وفي تحريم السجود ما يفعل بعد صلاة وغيرها، وليس من هذا ما يفعله كثيرون من الجهلة والظالمون من السجود بين يدي المشايخ, فإن ذلك حرام قطعاً بكل حال سواء أكان إلى القبلة أو لغيرها وسواء قصد السجود لله تعالى أو غفل, وفي بعض صوره ما يقتضي الكفر عافانا الله تعالى منه.
فأفهم أنه قد يكون كفراً بأن قصد به عبادة مخلوق أو التقرب إليه, وقد يكون حراماً بأن قصد به تعظيمه أو أطلق, وكذا يقال في الوالد.
فإن قلت: ما ذكرته من الجواب عن الإشكال في الوالد لا يأتي في العلماء؛ لأنه لم ينقل صورة السجود لهم.
قلت: بل يأتي فيهم؛ لأن تعظيمهم ورد به الشرع على أنه ثبت لجنسهم السجود كما في قوله تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا) البقرة/34، وآدم صلوات الله عليه وعلى نبينا وعلى سائر الأنبياء والمرسلين كان بالنسبة للملائكة عليهم السلام هو العالم الأكبر, فثبت لجنس العلماء السجود، فكان شبهة وإن كان المراد في الآية بالسجود الانحناء عند جماعة, وأن آدم عليه الصلاة والسلام لم يكن هو المسجود له، وإنما كان قبلة لسجودهم كما أن الكعبة قبلة لسجودنا لصلاتنا.
ومن المكفرات أيضا السحر الذي فيه عبادة الشمس ونحوها, فإن خلا عن ذلك كان حراماً لا كفراً، فهو بمجرده لا يكون كفراً ما لم ينضم إليه مكفر.
ومن ثم قال الماوردي: مذهب الشافعي رضي الله عنه أنه لا يكفر بالسحر ولا يجب به قتله ويسأل عنه, فإن اعترف معه بما يوجب كفره كان كافراً