وأنه لو قيل له: ألا تقرأ القرآن أو ألا تصلي؟ فقال: شبعت من القرآن أو من الصلاة كفر انتهى.
والذي يتجه أن محل الكفر هنا إن أراد الاستخفاف بالقرآن أو بالصلاة وإلا فلا، لأن ذلك قد يعبر به عن وقوع ملل في النفس وإبائها عن تحمل ثقل الطاعات من غير استخفاف بها.
وأنه لو قيل له: صل، فقال: العجائز يصلون عنا، أو الصلاة المعمولة وغير المعمولة واحدة، أو صليت إلى أن ضاق قلبي. أو قيل له: صل حتى تجد حلاوة الصلاة، فقال: لا تصل أنت حتى تجد حلاوة ترك الصلاة، أو قيل لعبد: صل فقال: لا أصلي فإن الثواب لمولاي كفر المجيب بما ذكر في الجميع انتهى.
وله وجه في غير الأخيرة، فإن ذلك ظاهر في الاستخفاف والاستهزاء بالصلاة، والفرق بين قوله فيما مرّ: شبعت، وقوله هنا: إلى أن ضاق قلبي ظاهر، فإن الشبع من الشيء لا يستلزم ذمه بوجه، بل يستلزم مدحه، إذ لا يشبع إلا من الحسن غالبا بخلاف ضيق القلب، فإنه إنما يعبر به عن القبيح، ففيه غاية الذم والاستخفاف، وأما الأخيرة أعني قول العبد ما مرّ، فلا دلالة فيما قاله على الاستخفاف والاستهزاء، ومن ثم صرح في الأنوار بعدم الكفر فيها وهو الأوجه.
وأنه لو سمع خصمه يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فقال: إيش يكون لا حول، أو إيش تعمل أو نحو ذلك كفر انتهى.
قلت: وكأن وجهه أن هذا فيه استخفاف بحول الله وقوته ونسبة الله تعالى إلى العجز وهو ظاهر فيمن عرف معنى لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قائل ذلك إما جاهل لا يعرف معنى هذه الكلمة، فينبغي فيه ألا يطلق القول بكفره، بل يعرف معناها فإن عاد عالما لما قاله كفر، وإلا فلا.
وأنه لو سمع مؤذنا فقال: هذا صوت الجرس كفر انتهى.
وفي إطلاق الكفر هنا نظر، والذي يتجه أنه لا يكفر إلا إن قصد بذلك الاستخفاف أو الاستهزاء بالأذان نفسه.